قصائد الشاعر المتنبي

قصيدة القلب أعلم يا عذول بدائه

قصيدة القلب أعلم يا عذول بدائه
قصيدة القلب أعلم يا عذول بدائه

إن القلبَ لديه من المعرفة ما لا يحتاج للعذل،

فأحقُّ بك من جفني ودموعي.

فمن أحبُّهم كيف أنصاع لعذلك في الغرام؟

أقسم بجماله وهيبته.

هل أحبّه رغم انتقاداتك لي؟

فإن الانتقاد في حبه هو من أعدائه.

تلك الدسائس تثير العجب بين الشهود،

أمتنع عن إخفائه فكيف تضعف أمامه؟

ما الصديق إلا من يود قلبي،

وقد أرى طرفي لا يراهم سواد الليل.

إن المعين على الشغف بالأسى،

أولى برحمة ومساعدة الله.

تياهاً فالعذل يؤذي كما المرض،

فرفقاً بالسماعات ومن يعانون.

عندما تشدني اللوم في اللذات كالنوم،

مطرودة بسهادها ودموعها.

لا تلوم المشتاق في آلامه،

حتى يكون قلبك في أحشائه.

إن القتيل بدموعه،

فهو كشهادتنا معاً.

وما العشق إلا مثل المعشوق، قريب من المحبين،

ينال من آلامهم وهوانهم.

لو قلت للحزين والمريض أنفك،

فاملأه من حماقتك بفداء لا يشبهه.

أمنح الأمير عيونهم، فهو ـ

ما لا يزول حتماً بسخائه.

يأسر البطل المشهور لمحة،

ويحول بين قلبه وما يعتز به.

لقد دعوتك لنكباتك،

فلم يسمع النداء إلى من يكرمك.

فأتيت من ما فوق الزمان وما تحت،

متسللاً ومن أمامه ووراءه.

من السيوف من يكون مخلصاً لها،

في عمقها ووفائها.

طُبع الحديد كأجناسها،

وعلي من أجداده المطبوعين.

قصيدة تأتي العزائم على قدر أهل العزم

قصيدة تأتي العزائم على قدر أهل العزم
قصيدة تأتي العزائم على قدر أهل العزم

تأتي العزائم على قدر أهل العزم،

وتأتي المكارم على قدر الكرام.

وتعظم في عين الصغير هزائمهم،

وتصغر في عين العظيم الأعظم.

يُحمل سيف الدولة على الجيش،

لكن العديد يعجز عن اللقاء.

يطلب بين الناس ما يطلب القلب،

وهذا ما لا تتفوه به الوحوش.

يفدي أتم الطيور عمراً بلا سلاح،

نسور القفار وأحداثها معدودة.

لا يضرها خلق بدون مخالب،

فقد خلقوا سيوفاً وأطرافًا.

هل تعرف الأحدث ذات اللون الأحمر،

أم تعلم أي الساقين هم الساقيون؟

سقتها الغيوم البيض قبل أن تتنازل،

فلمّا دنت منها سقيتها الهزائم.

بناه فأعلى وأصداء القنا تصدح،

وموج المنايا يدور حولها.

وكان بها مثل الجنون فأصبحت،

ومن جثث القتلى تمائمها.

طريدة دهر ساقها وأدركت؛

على الدين بالحق والدهر مستمر.

تُفيت الليالي كل ما أخذته،

وهن لما يأخذن منك غوارم.

إذا كان ما تنويه فعلاً مستمرًا،

كان قبل أن يلقى عليه الجوازم.

وكيف ترجو الروم والرّوس هدمها،

الطعنة أساسٌ لها وأعمدة.

قد حاكموتها والمنايا حاكمة،

فما مات مظلوم ولا عاش ظالم.

أتوك يجذبون الحديد كأنهم،

ساروا بجيادٍ لها لا قوائم.

إذا برقوا لم تُعرف البيض منهم،

ثيابهم مثلها والعمائم.

خميسٌ بشرق الأرض والغرب زحفه،

وفي أذن الجوزاء يسمع الزمام.

اجتمعت فيه كل لسان وأمة،

فما يفهم الحدايث إلا التراجمة.

فلله وقت ذاب فيه الغش نارُه،

فلم يبقَ إلا صليلٌ أو تفظيم.

تمزق ما لا تقطع الدرع والقنا،

وفرّ من الفرسان من لا يواجه.

وقفت وما في الموت شك لواقف،

كأنك في جفن الردى وهو نائم.

تمر بك الأبطال صامتين هزيمة،

ووجهك وضاح وثغرك مبتسم.

تجاوزت مقدار الشجاعة والعقل،

إلى قول قوم لا تعني الغيب لهم.

ضممت جناحيهم على القلب ضمّة،

تموت الخوافي تحتها والقوادم.

بضربٍ أتى الهامات والنصر غائب،

وصار إلى اللبات والنصر قادم.

حقرت الردينيات حتى طرحتها،

وكأن السيف للرّمح شاتم.

ومن طلب الفتح العظيم فإنما،

مفاتحه البيض السريعة الصارمة.

نثرتهُم فوق الأُحيدب كله،

كما نثرت فوق العروس الدراهم.

تدوس بك الخيل الوكور على الذرى،

وقد كثرت حول الوكر المطاعم.

تظن فراخ الفتح أنك زرتها،

بأُمّاتها وهي العتاق الصلادم.

إذا زلقت مشيتها ببطنها،

كما تتمشى في الصعيد الأراقم.

أفي كلّ يومٍذا الدُّمستق مقيمٌ،

قفاه على الإقدام والوجه لائم.

أينكر ريح الأسود حتى يذوقها،

وقد عرفت ريح الأسود البهائم؟

وقد فجعته بأنّ ابنه وابن صهره،

بحملات الأمير الغواشِم.

مضى يشكر الأصحابَ في فوته الظُّبَى،

لما شغلتهَا همومهم والمعاصم.

ويفهم صوت المشرفية فيهم،

على أنّ أصواتَ السيوف لها نفس المعاني.

يُسَرُّ بما أعطاكَ لا عن جهل،

ولكن مغنوم ونجا من غنيم.

ولستَ ملكًا هازمًا لنظيره،

لكنّك التوحيد للشرك هازم.

تشرّف عدنان به ولا ربيعة،

وتفتخر الدنيا به ولا العواصم.

لك الحمدُ في الدُّرّ الذي لي لفظُهُ،

فإنّكَ معطيهِ وأنا ناظم.

وإني لتعدو بي عطاياكَ في الوغى،

فلا أنا مذموم ولا أنت نادم.

على كل طيّار إليه برجل،

إذا وقعت في مسمعيه الغماغم.

ألا أيها السيفُ الذي ليس مغمدًا،

ولا فيه مرتابٌ ولا منه عاصم.

هنيئًا لضرب الهام والمجد والعُلى،

وراجيكَ والإسلام أنك سالم.

ولم لا يقي الرحمن حدّيك ما وقى،

وتفليقُهُ أشبال العداء بك دائم.

قصيدة أرق على أرق

قصيدة أرق على أرق
قصيدة أرق على أرق

إنه أرقٌ يتزايد، ومثلي يعاني منه،

وجوىً يزداد وعبرةٌ تترقرق.

جهد الشغف أن تكون كما تراه،

عينٌ مسهدة وقلبٌ يخفق.

ما لاح برقٌ أو ترنم طائرٌ،

إلا انثنيتُ وفؤادي شيق.

جرّبت من نار الهوى ما لا ينطفئ،

نار الغضى وتكل عمّا تحرق.

وحملت اللوم على أهل العشق حتى ذقت،

فأذهلتني كيف يعاني من لا يحب.

وأعذرتهم وعرفت ذنبي أنني،

عيّرتهم فلقيتُ ما لقيوا.

أبني أبينا نحن أهل منازل،

فقد صار غرابُ الفراق فينا ينعق.

نبكي على الدنيا وما من معشر،

جمعتم الدهر فلم يتفرقوا.

أين الأَكاسِرة الجبابرة الذين،

كنزوا الكنوزَ فما بقوا ولا بقوا.

من كل من ضاق الفضاء بجيوشه،

حتى توارى فلبه إلى ضيق قبر.

خُرسٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا،

أن الكلام لهم حلال مطلق.

والموت آتٍ والنفوس نفائس،

والمستغفر بما لديه المؤلم.

والمرء يأمل والحياة شهية،

والشيب أوقر والشبيبة أنزق.

ولقد بكيتُ على الشباب ولمتي،

مسودّةٌ وقد عادت وجهي رونق.

حذراً عليه قبل يوم فراقه،

حتى كدت بماء جفني أشرق.

أما بنو أوس ابن معن ابن الرضا،

فأعزّ من تحيى إليهم الديار.

كبّرتُ حول ديارهم لما بدت،

دون سواها الشمس تغرب ولا تشرق.

وعجبتُ من أرض سحاب أكفهم،

من فوقها وصخورها لا تتورق.

وتفوح من طيب الثناء روائح،

لهم بكل مكانة تُستنشَق.

مسكيةُ النفحات إلا أنها،

وحشية بسواهم لا تعبق.

أمريد مثل محمد في عصرنا،

لا تبلونى بطلاب ما لا يلحق.

لم يخلق الرحمن مثل محمد،

أبداً وظني أنه لا يخلق.

يا ذا الذي يهبه الجزيل وعنده،

أنني عليه بأخذه أتصدق.

أمطِر عليَّ سحاب جودكَ واسعًا،

وانظر إليّ برحمة لا أغرق.

كذب ابن فاعلة يقول بجوهله،

مات الكرام وأنتَ حي تُرزق.

قصيدة الخيل والليل والبيداء تعرفني

قصيدة الخيل والليل والبيداء تعرفني
قصيدة الخيل والليل والبيداء تعرفني

واحَرّ قلبي مِمَّن قلبه شغفٌ،

ومن جسمي وحالي عنده سقمٌ.

ما لي أُكنُ حبًّا قد بَرَى جسدي،

وتدّعي حب سيف الدولة الأمم.

إن كان يجمعنا حب لغرته،

فليتَ أنّا بشكل الحب نقتسم.

قد زرتُهُ وسيوف الهند مغمدَةٌ،

وقد نظرتُ إليه والسيوف دمُ.

فكان أحسن خلق الله قاطبة،

وكان أحسن ما في الأحسن الشيء.

ومتُ العدو الذي تميمه ظفرٌ،

في طيّه أسفٌ ونعام فيه.

قد ناب عنكَ شديد البأس واصطنعت،

لك الهيبة ما لا تصنع البهم.

ألزمت نفسك شيئًا ليس يلزمها،

ألّا يغطيهم أرضٌ ولا علم.

أكلما رمتَ جيشًا فانثنى هاربًا،

تناولت منك آثارهم الهمل.

عليكَ هزيمتهم في كل معتركٍ،

وما عليك بهم عارٌ إذا انهزموا.

أمَا ترى ظفراً حلوا سوى ظفرٍ،

تصافح فيه بيد الحيتان واللجم.

يا أعدل الناس إلا في معاملتي،

فإنك خصمٌ والحكم الحكم.

أُعيذها نظراتٍ منكَ صادقة،

أن تحسبَ الشحم فيمن شحمه ورم.

وما انتفاع أخي الدنيا بناظره،

إذا استوت عنده الأنوار والظلم.

سيعلم الجمع ممن ضمّ مجلسنا،

بأنني خير من تسعى به قدمُ.

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي،

وأسمعت كلماتِ من به صمم.

أنام ملء جفوني عن شواردها،

ويشكو الخلق جراءَها ويختصم.

وجاهلٍ مدهُ في جاهله ضحكي،

حتى أتتْه يَدٌ شاعرةٌ وفمُ.

إذا رأيتَ نيوبَ الليثِ بارزةً،

فلا تظنّ أن اللّيثَ يبتسم.

ومهجتي من همّ ابن صاحبها،

أدركتها بجوادٍ ظهره حرم.

رِجلاهُ في الركض رجلٌ واليدان يدٌ،

وفعلُه ما تريد الكفّ والقدم.

ومرهفٍ سرتُ بين الجحفليّن به،

حتى ضربتُ موجَ الموت يلتطم.

الخيل والليل والبيداء تعرفني،

والسيف والرّمح والقرطاس والقلم.

صحبتُ في الفلوات الوحشَ منفردًا،

حتى تعجب مني القور والأكم.

يا من يعز علينا أن نفارقهم،

وجداننا كُلَ شيءٍ بعدكم عدم.

ما كان أخلقنا منكُم بتكرمةٍ،

لو كان أمركم من أمرِنا أمم.

إن كان سرّكم ما قال حاسدنا،

فما لجُرحٍ إذا أرضاكم ألم.

وبيننا لو رعيتُم ذاكَ معرفة،

إن المعارف في أهل النهى ذمم.

كم تطلبون لنا عيبًا فيُعجزكم،

ويكره الله ما تأتون والكرم.

ما أبعد العيب والنقصان من شرفي،

أنا الثريّا وذانِ الشيب والهرم.

ليت الغمام الذي عندي صواعقه،

يُزيلُهُ إلى من عنده الديم.

أرى النوى يقتضيني كل مرحلةٍ،

لا تستقل بها الوخادة الرُسم.

لئن تركنَّ ضميرًا عن ميامنّا،

ليحددّنَّ لمن ودعتهُم ندمُ.

إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا،

أن لا تفارقهم فالراحلون هم.

شر البلاد مكانٌ لا صديق به،

وشر ما يكسب الإنسان ما يصمُ.

وشر ما قنصت راحتي قنصٌ،

شهبُ البزاة سواء فيه والرخم.

بأي لفظ تقول الشعر زعنفه،

تجوز عندك لا عربٌ ولا عجم.

هذا عتابك إلا أنه مقةٌ،

قد ضمّن الدرّ إلا أنه كلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *