الغزو الفكري
تمتلك كل أمة حضارية ثقافتها الخاصة، والتي تُشكلها مكونات متعددة تشمل: لغتها، وعاداتها، وتقاليدها، وديانة أفرادها، وتاريخها، بالإضافة إلى عناصر أخرى كثيرة. تعتبر هذه الثقافة عاملاً رئيسياً في توحيد أبناء الأمة، حيث تشكل رابطاً يجمعهم رغم المسافات الشاسعة التي تفصل بينهم، مما يميزهم عن بقية الأمم والحضارات.
تبدأ المشكلة عادة عندما تقلع أمة ما عن تمسكها بثقافتها الجامعة، التي تمثل حاملاً وحامياً له من التحديات المختلفة. هذا الأمر يجعل أفرادها عرضة للتأثيرات الخارجية بسهولة. وتزداد هذه الأزمة تعقيداً عندما يسعى أولئك الذين يملكون قوى متنوعة إلى فصل أبناء الأمم الضعيفة عن القيم الأساسية والثوابت التي تقوم عليها ثقافاتهم، وذلك بهدف النهوض بأنفسهم وبلدانهم دون أي اعتبار للآخرين، وبالتالي السعي لتحقيق أهدافهم الخاصة، وهو ما يُعرف اليوم بالغزو الفكري. فيما يلي استعراض لبعض الأسباب الرئيسية التي تساهم في هذه المشكلة الخطيرة.
أسباب الغزو الفكري
- فقدان أبناء الأمة المستضعفة للثقة بأنفسهم وبتراثهم وتاريخهم، حيث يتحول الضعيف إلى كائن بدون إرادة، يمتثل للقرارات والتوجيهات بقوة الآخر.
- رغبة القوى الكبرى في إنشاء نظام عالمي موحد يسعى إلى إلغاء التنوع الموجود بين الحضارات عبر التاريخ، مما يساهم في تعزيز الثروات ومراكمة الأرباح في أيدي فئة محدودة، ومن أبرز تجليات هذا الأمر هو رؤية نفس الإعلانات التجارية في جميع أنحاء العالم.
- الشعور بالانهزام والعجز، الذي يأتي مصاحباً لجمد الفكر وركوده، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي في الدول التابعة، حيث يعيق ذلك عملية إنتاج المعرفة، مما يؤدي إلى انفتاح هذه الأمم على استيراد أفكار متنوعة من الخارج برغم تشابهها في رديء أو حسن.
- اعتقاد أبناء الأمة المنهزمة أن كل ما يتعلق بالمظاهر المادية للبلدان القوية هو بمثابة رموز حضارية تعكس الحداثة، مما يسبب تراجع مظاهر ثقافتهم وهويتهم التاريخية.
- عجز المفكرين ورجال الدين والعلماء عن تجديد الأفكار التي تشتكي من الركود، والذي يؤثر على مصداقيتهم لدى المجتمع، ذلك مقترن بضعف القدرة على تقديم هذه الأفكار بشكل يليق بمحتواها الرفيع، مما يؤدي إلى فقدان أبنائها الثقة بتلك الأفكار، ويجعلهم يبحثون عن بدائل قد تكون ضارة.
- وجود صعوبة لدى أبناء الأمم التي تتعرض للغزو الفكري في تمييز الاختلافات بين الجذور التي أوجدت أفكاراً يُعتقد أنها تحمل الأمل، ومقدماتها التي تعكس ظروفهم الصعبة، مما يتطلب أفكاراً جديدة قد تكون موجودة ضمن منابع ثقافتهم لكنهم غير قادرين على الوصول إليها أو تطبيقها.