أغر عليه للنبوّة خاتم
يقول الشاعر حسان بن ثابت:
أغر، عليه للنبوّة خاتم
من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه،
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من إسمه ليجله،
فذو العرش محمود، وهذا محمد
نبي أتينَا بعد يأس وفترة
من الرسل، والأوثان في الأرض تعبد
فأمسى سراجًا مستنيرًا وهادياً،
يبدو كما لاح الصقيل المهنّد
وأنذرنا نارًا، وبشر جنة،
وعلمنا الإسلام، فالله نحمد
وأنت إله الخلق ربي وخالقي،
بذلك ما عمرت فيا ناس أشهد
تعاليت رب الناس عن قول من دعا
سواك إلهًا، أنت أعلى وأمجَد
لك الخلق والنعماء، والأمر كله،
فإياك نستهدِي، وإياك نعبد
ولد الهدى فالكائنات ضياء
يقول الشاعر أحمد شوقي:
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسّم وثناء
الروح والملأ الملائكة حوله
للدين والدنيا به بشراء
والعرش يزهو والحظيرة تزدهي
والمُنتَهى والسدرة العصماء
وحديقة الفرقان ضاحكة الربا
بالترجمان شذيّة غنّاء
والوحي يقطر سلسلًا من سلسل
واللوح والقلم البديع رواء
نظمت أسامي الرسل فهي صحيفة
في اللوح واسم محمد طغراء
اسم الجلالة في بديع حروفه
ألف هناك واسم طه الباء
يا خير من جاء الوجود تحيّة
من مرسلين إلى الهدى بك جاءوا
بيت النبيين الذي لا يلتقي
إلا الحنفاء فيه والحنفاء
خير الأبوّة حازهُم لك آدم
دون الأنام وأحرزت حواء
هم أدركوا عزّ النبوّة وانتهت
فيها إليك العزّة القعساء
خُلقت لبيتك وهو مخلوق لها
إن العظائم كفؤها العظماء
بك بشّر الله السما فزُيّنت
وتضوعت مسكًا بك الغبراء
وبدى محياك الذي قسماته
حق وغرّته هدىً وحياء
وعليه من نور النبوّة رونق
ومن الخليل وهدى هديه سيماء
أثنى المسيح عليه خلف سمائِه
وتهلّلت واهتزّت العذراء
يومٌ يتيه على الزمان صباحه
ومساؤه بمحمد وضّاء
الحق عالي الركن فيه مظفّر
في الملك لا يعلو عليه لواء
ذعرت عروش الظالمين فزلزت
وعلت على تيجانهم أصداء
والنار خاوية الجوانب حولهم
خامدت ذوائِبها وغاض الماء
والآي تترى والخوارق جمة
جبريل رواح بها غدّاء
نعم اليتيم بدت مخايل فضله
واليتم رزق بعضه وذكاء
في المهد يُستسقى الحيا برجائِه
وبقصدِه تُستدفَعُ البأساء
بِسوى الأمانة في الصبا والصدق لم
يعرفه أهل الصدق والأمناء
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا
منها وما يتعشق الكرماء
لو لم تقم دينًا لقيام وحده
دينًا تضيء بنوره الآناء
زانَتكَ في الخلق العظيم شمائل
يُغرى بهنّ ويولع الكرماء
أما الجمال فأنت شمس سمائه
وملاحَة الصديق منك ألاء
والحسن من كرم الوجوه وخيره
ما أوتي القواد والزعماء
فإذا سخوتَ بلغت بالجود المدى
وفعلت ما لا تفعل الأنواء
وإذا عفوتَ فقادِرًا ومقدّرًا
لا يستهينُ بعفوك الجهلاء
وإذا رحمتَ فأنت أمٌ أو أبٌ
هذانِ في الدنيا هما الرحماء
وإذا غضبتَ فإنما هي غضبةٌ
في الحق لا ضغنٌ ولا بغضاء
وإذا رضيتَ فذاك في مرضاته
ورضا الكثير تحلّم ورياء
وإذا خطبتَ فللمنابر هزّةٌ
تعرو النديّ وللقلوب بكاء
وإذا قضيتَ فلا ارتياب كأنما
جاء الخصوم من السماء قضاء
وإذا حميتَ الماء لم يورد ولو
أن القياصرة والملوك ظماء
وإذا أَجَرتَ فأنت بيت الله لم
يدخل عليه المستجير عداء
وإذا ملكتَ النفس قمتَ ببرّها
ولو أن ما ملكت يداك الشاء
وإذا بنيتَ فخير زوجٍ عشرةً
وإذا ابتنيتَ فدونكَ الآباء
وإذا صحبتَ رأى الوفاء مجسّمًا
في بردكَ الأصحاب والخُلَطاء
وإذا أخذتَ العهدَ أو أعطيتهُ
فجميع عهدكَ ذمّةٌ ووفاء
وإذا مشيتَ إلى العدا فغضنفَرٌ
وإذا جريتَ فإنك النكباء
صلى عليك الله
يقول الشاعر نزار قباني:
عز الورود وطال فيك أوام
وأرقت وحدي والأنام نيام
ورد الجميع ومن سناك تزودوا
وطردت عن نبع السنى وأقاموا
ومنعت حتى أن أحوم ولم أكِد
وتقطعت نفسي عليك وحاموا
قصدوك وامتدحوا ودوني أغلقت
أبواب مدحك فالحروف عقام
أدنوا فأذكر ما جنيت فأنثني
خجلا تضيق بحملي الأقدام
أمن الحضيض أريد لمسا للذرى
جل المقام فلا يطال مقام
وزري يكبلني ويخرسني الأسى
فيموت في طرف اللسان كلام
يممت نحوك يا حبيب الله في
شوق تقض مضاجعي الآثام
أرجو الوصول فليل عمري غابة
أشواكها الأوزار والآلام
يا من ولدت فأشرقت بربوعنا
نفحات نورك وانجلى الإظلام
أأعود ظمآنا وغيري يرتوي
أيرد عن حوض النبي هيام
كيف الدخول إلى رحاب المصطفى
والنفس حيرى والذنوب جسام
أو كلما حاولت إلمام به
أزف البلاء فيصعب الإلمام
ماذا أقول وألف ألف قصيدة
عصماء قبلي سطرت أقلام
مدحوك ما بلغوا برغم ولائهم
أسوار مجدك فالدنو لمام
ودنوت مذهولا أسيرا لا أرى
حيران يلجم شعري الإحجام
وتمزقت نفسي كطفل حائر
قد عاقه عمن يحب زحام
حتى وقفت أمام قبرك باكيا
فتدفق الإحساس والإلهام
وتوالت الصور المضيئة كالرؤى
وطوى الفؤاد سكينة وسلام
يا ملء روحي وهج حبك في دمي
قبس يضيء سريرتي وزمام
أنت الحبيب وأنت من أروى لنا
حتى أضاء قلوبنا الإسلام
حوربت لم تخضع ولم تخشى العدى
من يحمه الرحمن كيف يضام
وملأت هذا الكون نورا فاختفت
صور الظلام وقوضت أصنام
الحزن يملأ يا حبيب جوارحي
فالمسلمون عن الطريق تعاموا
والذل خيم فالنفوس كئيبة
وعلى الكبار تطاول الأقزام
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
يقول الشاعر الفرزدق في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام وأهل بيته:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم
هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله
بجدّه أنبياء الله قد ختموا
وليس قولك: من هذا؟ بضائرِه
العرب تعرف من أنكرت والعجم
كلتا يديه غياث عم نفعهما
يستوكفان، ولا يعروهما عدم
سهل الخلقة لا تخشى بوائده،
يزينه اثنان: حسن الخلق والشيم
حمّال أثقال أقوام إذا افتُدحوا،
حلو الشمائل تحلو عنده نعم
ما قال: لا قط، إلا في تشهده،
لو لا التشهد كانت لاءَه نعم
عمّ البرية بالإحسان، فانقشعت
عنها الغياهب والإملاق والعدم
إذ رأته قريش قال قائلها:
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يغضي حياءً، ويغضى من مهابته،
فما يكلم إلا حين يبتسم
بكفه خيزران ريحه عبق،
من كف أرواح، في عرنينه شمم
يكاد يمسكه عرفان راحته،
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
الله شرفه قدمًا، وعظمه،
جرى بذلك له في لوحه القلم
أيّ الخلائق ليست في رقابهم،
لأولية هذا، أو له نعم
من يشكر الله يشكر أولية ذا؛
فالدين من بيت هذا ناله الأمم
ينمى إلى ذروة الدين التي قصُرت
عنها الأكف، وعن إدراكها القدم
من جده دان فضل الأنبياء له؛
وفضل أمته دانت له الأمم
مشتقة من رسول الله نبعة،
طابت مغارسُه والخيم والشيم
ينشق ثوب الدجى عن نور غرته
كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم
من معشر حبهم دين، وبغضهم
كفر، وقربهم منجى ومعتصم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم،
في كل بدء، ومختوم به الكلم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم،
أو قيل: من خير أهل الأرض؟ قيل: هم
لا يستطيع جواد بعد جودهم،
ولا يدانيهم قوم، وإن كرموا
هم الغيُوث، إذا ما أزمة أزمت،
والأسد أسد الشرى، والبأس محتدم
لا ينقص العسر بسطًا من أكفهم؛
سيّان ذلك: إن أثروَا وإن عدموا
يستدفع الشر والبَلوى بحبهم،
ويسترَبّ بالإحسان والنعَم