قصائد حول الشتاء
قام العديد من الشعراء بكتابة أبيات شعرية تتناول موضوع الشتاء، ومن أبرز هذه القصائد ما يلي:
قصيدة حقائب الدموع والبكاء
يقول الشاعر نزار قباني:
عندما يهلّ الشتاء
وتحرك رياحه الستائر
أشعر، عزيزتي
برغبة شديدة في البكاء
على ذراعيك
وعلى دفاتري
وينقطع صوت العنادل
لتصبح
كل الطيور بلا مساكن
يبدأ النزيف في قلبي
وفي أناملي
كأن الأمطار السمائية
تصب، صديقتي، في داخلي
وفي تلك اللحظة يغمُرني
شوق طفولي للبكاء
على حرير شعرك الطويل كالسنابل
هناك كشجرة مثقلة بالعياء
كطائر مهاجر
يبحث عن نافذة تُضيء
يبحث عن سقف له
في ظلام الجدائل
واغتال ما في الحقول من عطر
وخبأ النجوم في ثوبه الكئيب
يأتي إلى الحزن من مغارة المساء
كطفل شاحب وغريب
مبلل الخدود والثوب
وأفتح الباب لهذا الزائر الغالي
أمنحه السرير والبطانية
أعطيه كل ما يشاء
من أين جاء الحزن، حبيبتي؟
وكيف جاء؟
يحمل بيده
زنابق رائعة الشحوب
ويد تحمل لي
حقائب الدموع والبكاء
قصيدة حبيبة وشتاء
يقول نزار قباني:
وكان الوعد أن تأتي شتاءً
لكن الشتاء رحل.. ومضى الربيع
لم يُطرز شيئًا، ولا ثوبٌ جمالي.
ولا شال يقي أحضاننا
وقد هاجر كل طائر صديق
ومات الطيب، وترنحت الجذعان
ولم يسرّك الكوخ الوادع
فيرى في بابي أيلول يبكي
ويشكو صدر مدفأتي لهيبًا
ويعزف في شراييني العواطف
وتذهل اللوحات.. ويشعر بالجوع
بينما يختبئ الكرم الرضيع
وفي تشرين، في الحطب المغني
بين الغيوم في موطني تضيع
إليها قبل، ما اهتدت القلوع
ولا ادعت الضمائر والضلوع
أستشعر برائحة المراعي من شفتيك
أقبل عندما أصرّ أقبل حقولًا
ويلثمني على شفتي الربيع
بجسمي، شذا من حبك، يعبق
فهل يستطيع إطفاء جهنم؟
لا تخشي الشتاء ولا قواه
أحبك، ولا يحدد حبي حدٌ
ويلحق في ضفائرك القطيع..
أنا كالحقل منك.. فكل جزءٍ
جهنمي الصغيرة.. لا تخافي
ففي شفتيك يحتار الصقيع
قصيدة يونّا أبو رحمة
يقول يونّا أبو رحمة:
يقول: هذا الشتاء
من قبة الفضاء
ورائحته العذبة
والجدول الحنون
ندور حول النار
نسبح المنان
فيض من الجمال
يروي لنا العطشان
قصيدة الشاعر أكرم الزعبي
يقول أكرم الزعبي:
على غير عادته في الأناقة
جاء الشتاء
لم يكن كحلُهُ ساترًا للنجوم
ولم يكن لبسه أغيم صيفي
غريبًا أتى
محملًا هموم الخريف
وبكتفه نصف سيف
على غير عادته في البكاء
لئيمًا أتى
ثقيلاً ظلاله
بخيلًا
يشقق الرياح وجه الحقول
ويضاحك سراً خلف الجبال
هو القحط، قالت عجوز السنونو
ثم دعت قومها للرحيل
ولكن عصفورة صغيرة في القماط
ابتسمت في وجهها الحزن وقالت:
على غير عادته في الخديعة
سوف يعود
إلينا
الشتاء.
قصيدة الشاعر محمد الماغوط
يقول الشاعر محمد الماغوط:
بيتنا الذي كان يقطن على ضفاف النهر
ومن سقفه الأصيل وزهرة الزنبق الأحمر
هجرتك، يا ليلى
وتركت طفولتي القصيرة
تذبل في الطرقات الفارغة
كالسحابة من الورد والغبار
غدًا سيتساقط الشتاء في قلبي
وتقفز المتنزهات من الأحمال والضفائر الذهبية
وأجهش ببكاء حزين على وسادتي
وأنا أراقب البهجة الحبيبة
تغادر أشعاري إلى الأبد
والضباب المتعفن على شاطئ البحر
يمتد في عيني كسيل من الأظافر الرمادية
حيث الرياح الكريهة
تزمجر أمام المقاهي
وأذرع طويلة، تلوح خاويةً على الجانبين
يطيب لي كثيرًا، حبيبتي، أن أجذب ثديك بعنف
أن أفقد كآبتي أمام ثغرك العسلي
لأني جارح، يا ليلى
منذ بدء الخليقة كنت عاطلًا عن العمل
أدخن كثيرًا
لكن طردوني من أزقة كثيرة
أنا وأشعاري وقمصاني الزاهية
غدًا يحن لي الأقحوان
والمطر المتراكم بين الصخور
والصنوبرة التي في دارنا
ستفتقدني الغرفات المسنّة
وهي تئن في الصباح الباكر
حيث القطعان المتجهة إلى المروج والتلال
تحن إلى عيني الزرقاوين
فأنا طويل القامة
وفي خطواتي المفعمة بالبؤس والشاعرية
تكمن أجيال ساقطة بلهاء
مكتنزة بالنعاس والخيبة والتوتر
فأعطوني كفايتي من النبيذ والفوضى
وحرية التلصص من شقوق الأبواب
وبنيّة جميلة
تقدم لي الورود والقهوة عند الصباح
لأركض كالبنفسجة الصغيرة بين السطور
لأطلق نداءات العبيد
من حناجر الفولاذ.
قصيدة جودي علينا يا سماء
جودي علينا، يا سماء
جودي علينا بالمطر
قد جاءنا فصل الشتاء
فصل التجدد للشجر
فصل الغيوم الراجعة
حين ترتدي ثوب الهطول
فصل الثلوج القادمة
تهدي القصائد للحقول
تهدي الحقول سنابل
تنمو وتكبر في فرح
تهدي السهول جداول
يستقبلها طائر المرح
هيا، استعدي يا جبال
واستقبلي درر المطر
هيا، استعدي يا تلال
للعشب الذي ينمو للثمر
قد جاءنا فصل الشتاء
فصل المحبة والعطاء
أغنية للشتاء
يُخبرني شتاء هذا العام
أنني أموت وحدي
مثل شتاء سابق، مثل شتاء
يخبرني هذا المساء أنني أموت وحدي
مثل مساء سابق، مثل مساء
وأن أعوامي الماضية كانت هباءً
وأنني أقيم في العراء
يُخبرني شتاء هذا العام أن داخلي
مرتجف من البرد
وأن قلبي قد مات منذ الخريف
ذوى عندما ذوت
أول أوراق الشجر
ثم هوى عندما هوت
أول قطرة من المطر
وأن كل ليلة باردة تزيده بُعدًا
في عمق الحجر
وأن دفء الصيف إذا أتى ليوقظه
فلن يمد من خلال الثلج أذرعه
حاملة وردًا
يخبرني شتاء هذا العام أن هيكلي مريض
وأن أنفاسي أشواك
وأن كل خطوة في وسطها مغامرة
وقد أموت قبل أن تلحق رِجلٌ برجل
في زحمة المدينة المتعسرة
أموت لا يعرفني أحد
أموت لا يبكي أحد
وقد يُقال بين صحبي في المجالس
مجلسه كان هنا، وقد عبر
فيمن عبر
يرحمه الله
ما اعتقدته شفائي كان سمًّا
وأن هذا الشعر عندما هزني أسقطني
ولست أدري منذ كم من السنين قد جُرحت
لكنني منذ ذاك اليوم ينزف رأسي
الشعر زلتي التي من أجلها هدمت ما بنيت
من أجلها خرجت
ومن أجلها صُلبت
وحينما علقت كان البرد والظلمة والرعد
ترجُّني خوفًا
وحينما ناديته لم يستجب
عرفت أنني ضيَّعت ما أضعت
يخبرني شتاء هذا العام أننا لكي نعيش في الشتاء
لا بد من تخزين حرارة الصيف وذكرياته
دفئاً
لكنني بعثرت في مطالع الخريف
كل غلالي
كل حنطتي، وحبي
كان جزائي أن يقول لي الشتاء أنني
مثل شتاء سابق
أموت وحدي
مثل شتاء سابق أموت وحدي.