فهم مفهوم الشكر
الشكر هو التعبير عن الطاعات والتقرب إلى الله عز وجل من خلال مختلف أنواع العبادات، سواء كانت ظاهرة أو باطنة، المحبوبة لديه. لذا، فالشكر ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو فعلٌ مصحوبٌ بأقوال صادقة، مع الاعتقاد بأن الله هو الذي منحنا هذه النعم وبارك بها. يُعتبر شكر الله سببًا لزيادة فضله، حيث يتجلى شكر القلب بمحبة وإنابة، بينما يظهر شكر اللسان بحمده، وشكر الجوارح بالطاعة. ومن ينيب فإنه يعود إلى الله عز وجل ويستحق محبته.
إذًا، فإن شكر الأقوياء يجب أن يتجسد في مساعدة الضعفاء، وشكر الأغنياء من خلال دعم الفقراء. كما يُفترض أن يتعامل ذوو المناصب مع الناس من خلال تخفيف همومهم وإقامة العدل. ومن يتمتع بوفرة من الطعام يجب أن يشارك من يعاني من الجوع. وعندما يتم ذلك، يُبارك الله عز وجل في النعمة ويزيد صاحبها. إن الشكر يضمن استمرارية النعم، لذا ينبغي الجمع بين شكر القلب بالرضا عن الله عز وجل وبين شكر العمل، من خلال إفاضة النعم التي منحها الله على من حُرم منها.
أركان الشكر
يتكون شكر الله عز وجل من ثلاثة أركان رئيسية:
الحمد باللسان
يتمثل في ذكر الله الواحد الأحد والثناء عليه، فإن من أنعم الله عليه بنعمة يجدر به شكرها، واستغلالها فيما يرضي الله عز وجل. قال تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)، لذلك يجب أن يشكر الإنسان الله على النعمة ويطلب تثبيتها.
الحمد بالجوارح والأركان
يتمثل شكر الله عز وجل في القيام بالطاعات وتوجيه الأعضاء والبدن نحو عبادة الله، بالإضافة إلى استغلال نعمة الصحة في طاعته والابتعاد عن المعاصي. يقول تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا). ومن أسرف على نفسه، عليه أن يتوب ويشكر الله، فإن الله غفور رحيم، يغفر جميع الذنوب لمن صدق في نيته، وهذه نعمة تستوجب الشكر.
الحمد بالجَنان
يعني الوعي بأن الله عز وجل هو من منح تلك النعم، وهو أيضًا الذي يسلبنا إياها، ويميت ويحيي. مثلاً، نعمة الأطفال تتطلب منا شكرها من خلال تربيتهم على كتاب الله وسنة رسوله، ونعمة الزوجة الصالحة، والجاه والمقام علينا استغلالها لما يرضي الله، وكذلك نعمة المال ينبغي أن يقابلها شكر من خلال العطاء. هذه هي الطريقة التي يتم بها شكر النعم لله عز وجل في القلب.
الشكر كثمار للإيمان
يتحقق الرضا عن الله عند رضا الإنسان عن ما أعطاه الله عز وجل أو ما منعه. قال تعالى: (وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ). يُعتبر الشكر من ثمار الإيمان، حيث يُعد شكر العباد حقًا لهم، وشكر الله عز وجل الذي أنعم بجميع النعم على الإنسان واجب. فقد منح الله الإنسان الصحة والأمان، وسخر له كل ما في الأرض.
إن نعم الله على الإنسان لا يدركها إلا من فقدها. ففقدان المال يجعل الشخص يشعر بقيمته، بينما نسيان هذه القيمة يحدث عند توافره، وعندما يشعر الإنسان بالألم فإنه يقدر قيمة صحته. لذا، يكون شكر الله على النعم من خلال العطاء والإحسان لمن حُرم من هذه النعم.