شعر المدح
يُعتبر شعر المدح من أبرز أنواع الشعر العربي القديم، حيث يُستخدم كوسيلة لاستمالة قلوب الملوك والحكام والسلاطين. يُعد الشاعر المتنبّي أحد أبرز من قام بكتابة القصائد المدحية لسيف الدولة. في هذا المقال، سأقدم بعض الأبيات الشعرية التي تتناول فن المدح.
أجمل شعر مدح
- يا شيخ، جئتُ إليك في وقت الشيب
طالما كانت قزان مصدرًا للحنان والمحبة
دبا عليّ ودب منّي بسبب الميل
خلِّ المواشي تتحدث عن شجاعتك
من دارنا رحلنا إلى دارك في آخر النهار
كحلُم نجم لا يتغير ولا يغيب
أنت يا منبع الجود والكرم
لا خيب الله للأجاويد طلابهم
تحية من قلب محب بلا أدنى شك
لأجل ك، يستتاب الشاب ويشتد عوده
يا لجوهر الأدب، يالكنوز النادرة
يا لصعلوك، يا لثائر، يا حصان لا يضعف
يا أسد، يا نمر، يا ذئب، يا ماء بدافع
يا ليث، يارجل الشجاعة، يا دب يصمد
يا الضاري، يا ذي الصلابة، يا عطب المضارب
يا مفرِّق الخصوم، وقائد المناضلين
يا هبة السماء، يا عقاب الجيوش
يا شاعر المجد، نستمع إليك بفخر
وفوق الهجن جئنا، في انتظارك بلهفة
لمشاهدة أشواقنا في وضوح النهار
تلك الحروب التي تلعب بالأفكار
وأنت الذي تفعل كل ما يطلب منك
كأنك هديب الشام، تُعرف بالأفعال
أثني لأبو صلفيق، فليس هناك من يزيف
شيخ السخاء، المعطى بدوام الأكرمين
ما أكرمتَ اللّي يحضر إليك من الطائرات
كثير من الناس جاء لأخذ حاجته
ففرجتَ همّه في اللحظات العصيبة
العلم يزهو بك كما يزهو الزهر بالألوان
عزّ الله أنك طيب، تفعل الخير
والخير يحصد منك، يا زكي الأنساب
- قبائل تستوطن جزيرة شبه الجزيرة
جزيرة رائعة، واسعة وعميقة
وكل من فيها له منزله ومكانه
من ساحل الأحمر إلى ساحل عمان
- منهم عتيبة، نعم والله عتيبة
قبيلة تميزت بين القبائل العريقة
حيث تُعرف أمجادهم، وما هي بالغامضة
عندما يُحلق المجد، يُذكر عتبان
- ومنهم بني الحارث، أهل الفخر والكرم
كسابة يُعرفون في الرخاء والشدة
تاريخهم مُعرف، وما هم قطيعيين
وإن النعمة يا بني الحارث طيور حوران
- ومنهم سبيع، وما أجمل سبيع دائمًا
تاريخهم يشهد لهم في الزمن البعيد
نقول الحق، ولا نحب الضيم
يستحقون المدح، والنعم سبعان
- غامد، وما أجمل غامد، أهل الشكالة
الكرم فيهم والبسالة، الطيب في سجاياهم
وفي وقت الشدائد، هم الشجعان
- قحطان، أصل القبائل، نعم القبيلة
أفعالهم جاوزت باقي القبائل
بالكرم، هم أعداؤهم قصيرون
والنعم، والله يا فخر قحطان
- والنعم بالأشراف، نسل الصحابة
الدين فيهم، والسخاء واللُبابة
والعرف والمعروف يشد الرحال
والنصح والإرشاد في جميع الأوقات
- وأولاد وائل، نعم والله، قبيلة
أهل الأفعال وذوي العراقة المعروفة
منهم ملوك يكتسبون الوصال
اسم عنزة في قمة المجد عنوان
- شمّر، إذا أثيرت فعول المحامد
والنعم، والله يا رجال الطنايا
حماة القول، سيوف المنايا
نقولها بحقهم سر وإعلان
- والنعم لعجمان، فالشرف فيهم
قول وفعل ما تنفع نقاط وحروف
مجداً يُعلي، كأنه سهيل مشيوف
دليلنا في مدحهم، فعل راكان
مطير، حمران النوااظر، أهل الجود
تاريخهم قديم، واضح ومعدود
مجداً مثبتاً ببراهين وشهود
ما يُنجحد مجد، وأهاليه مطران
- ونعم حرب، إذا أتى طاري الأمجاد
أهل المواقف، كلما صاحت صيحة
حرابهم فيّ النوم، لا يرحم
لا مرح في ضيمهم، والليل سهران
سليم أهل المجد، مسجل في الأسفار
ذربين أهل قوله، وبالمعروف شعار
وأظن حديث الصدق لا يُنكر
ساسة الأدب والعرف، من رؤوس سلمان
جمع الدواسر، لا قول قائل
دوسر، جمل في كل الثقال
باسمه، تسمو، والفعال دلائل
غدران موت، ما تُحلّى بغدران
بني تميم، اللّي فخرهم مقيمي
ودليلنا قول ابن صقيه التميمي
حسُبهم من يشاء قلبه فهيم
أخبارهم انتشرت في حضر وبدوان
وأيضًا بني خالد، عذاب العنيدي
سلالة خالد بن الوليدي
قول موثوق، نقول السريدي
نقرأ ونبحث حتى ندري بما كان
زهران، جن الحرب، يوم الحرايب
من طعنهم يودّع الدم رايب
جاءت لهم من كل طيب هدايا
والنعم والله يا رجال زهران
عسير، عسرين على كل طمّاع
سباع تعشي سباع الأقذال بسباع
السيف بيديهم، مخلد ومطواع
ورماه إذا رد النظر لام نيشان
شهران مشهورين، والجد شاهر
الكل منهم في المهمات ماهر
طيب إذا لقيت أهل الطيب ظاهر
معروف لا ينسى بعد كل نسيان
بالقرن، قرن الموت، شرابة الدم
حرابهم تسقين الصبر والسُم
في رؤوسهم شيم وعادات ولزم
ما يُحصى تعريفهم بين القيفان
وأيضًا بني مالك، ذكر فخرهم
الطيب طوع يدٍ ما عسرهم
إذا ماجت أمواج البحر من بحرهم
بحر يكز الموج من غير جيلان
والنعم بالأحمر في كل الحال
في كل صعبات، اللوازم رجال
شوامخ، ما هم بجرف هزالي
الكسبان يا حايز على المدح كسبان
شمران، إذا شمر عن الساعد الثوب
حرابهم تقفٍ مذلل ومرعوب
كم كدروا يوم الكدر كل مشروب
ياأهل الوفاء، لا أحد ينكر فعل شمران
والنعم بالأسمر إذا حل طاري
شمعة فخرهم، ما ذرتها الذواري
يروون صفحات القنا والشباري
ويوردون السيف إذا صار عطشان
يا صبيان، يا أهل العموق العريقة
ستر الظعن في الأيادي الطليقة
ما تختفي عن عين عاقل حقيقة
يام الحرايب، يوم سوقات الأظعان
والنعم والله في رجال الشرارت
الطيب له فيهم مواري وأمارات
أهل المراجل، يوم الأيام عسرات
الكل منهم يجلب الروح قربان
- أيضاً بني هاجر، كفوف الأسود
يثبت لهم في كل علياء وجودي
قول عليه الفعل الأبيض شهودي
والصدق قائد للمعاني وقبطان
ونعبر بلي بلواء على كل عاصي
إذا جاء نهار فيه شيب النواصي
رجالهم ينطح خشوم الرصاصي
إذا طار ستر الوجه عن دعج الأعيان
وأيضًا جهينة عزوة باسهم باس
نطاحة الغارة على قب الأفراس
أمجادهم من يوم خلقوا على ساس
بيت جويد، يتفتح فيه البيبان
وأيضًا السهول لهم مواقف وتشجيع
يطرون الضد لزام تطويع
ويقال عنهم إنهم حلف لسبيع
ذولا وذولا، نعم، وافين الأفنان
وأيضًا الظفير، أهل الظفر والمدايح
يوم الثميدي مثل وبل الروايح
أرجل ما فيهم غموز وقدايح
منهم زبون أهل المقاصير نومان
وسفيان من قبل النبوة لهم بيت
صحيح لا أزال بكلامي ولا أخطيت
قرأت في كتب التواريخ وأوحيت
سفيان سلسلة العريب ابن سفيان
طويرق أهل الشيمة المستديمة
وأهل الوفاء وأهل اليدين الكريمة
للجار عز وللمعادي هزيمة
أقولها أنا لست براعي تلوان
هذيل أهل غيرة ومذهب وجيرة
وميزاتهم من غير هذا كثيرة
وليا قدح للحرب قادح ذخيرة
تلقى مقاديم الرجال ذهول
قريش، مجد قريش، كل درابة
قوم الرسول وقوم بعض الصحابة
ومجد تعدى الهاشمي وشنبابه
اللى من قلوب البشر زال الأدران
ثقيف ما يحتاج نذكر فخرهم
ما دام ابن يوسف على طول منهم
يكفيهم الحجّاج مجد شهرهم
بالكتب والتاريخ في كل ديوان
بني رشيد من القبائل يعدون
إذا جاءت مجالات المواقف يبدون
يبنون بنيان الفخر ما يهدون
والذين نقدهم ما معه علم بخصان
ونذكر بني مره، ونعم آل مرة
للجار عز والمعادي مضرة
واليوم في نعمة وسرة وقرة
بين الثلاث الذين خذتهم بالأحضان
أكلب أهل الطالات وأهل النواميس
إمسيسن بدوحة المجد تسيس
كلامنا ما به مجامل وتلبيس
والقول ليس بمهدي الجوانب مضان
- والمعذرة يا واسع المعرفة
إن غاب عن تفكيري أحد، ما عرفه
للشعر تصريف وللهرج صرفه
ولا ينتج عذر الناس إلا بغفران
- سلام يا كاسب غلاء كل مغليك
يا مالك عهد المراجل بيمينك
الطيب ساسك، والعرب عزّها فيك
إذا افتقدت علوم الرجال تنصاك
ربعك تفاخر وتفتخر بماضيك
لا ينقص ذاك من الطيب الذي رباك
- الجود شيخ، تملكه عدة أطراف
ولكن المراجل حالفه أنك ولده
عريبٌ جد، وحاوي كل الأعراف
دنياك جنة، ولكن فعلك رغدها
كن العلوم الطيبة عندك أهداف
صارت فريسة، وأنت كنت أسدها
- والله ماني على مدح الرجال بخيل
خاصّة إذا أتيت أمدح في زحول الرجال
المشكلة أنهم حمل لا يمكن تحمله
بسبب ثقلها، لا يقدر عليها الرجال
حتى لو تحاملتُ على حملها، لا بد يميل
مال الجمل حيلة على حمل الأثقال
أجل، وش حيلة قلم في القصائد يحكي
في معانيها صدق من مزون الخيال
قصيدة ليست غزلًا، للطرف الكحيل
ولا هي عتاب، أو شكوى من حال إلى حال
قصيدة مدح في ذلك الشهم الأصيل
الذي يشهد له فوح الدلال
سلام يا … يا زحول الرجال
سلام عدما على الصحاري من رمال
سلام عدما هل المطر وسال المسيل
سلام عدما أشرقت الشمس وطلع الهلال
سلام ياللّي له في قلبي مقر ومقيل
فداك العمر، لو أن العمر للفنا والزوال
قالوا عن حاتم، ما له في الكرم مثيل
ومن ذيك العصور تضرب به الأمثال
وأنا أقول: هذا حاتم هالجيل
قولوا لهتان، الكرم عندنا للكرم زلال
فديت كل حرفٍ من اسمه به خصل نبيل
ويا حيّ الحروف، اللّي لها فالقلب منزال
الصاد صدقك، فالقول من غير تأويل
ويا حيّ الرجال، الذين تثبت أقوالهم بأفعال
الألف آهاتك، عطنياها لو تورّيني الويل
ما همّني غير شوفته، بسمتك يا طيب الفال
اللام لومك في الحياة، على كل شخص ذليل
عاش في هالدنيا، وتطبّع بطبع الأنذال
الحاء حبك للمساكين، وعابريين السّبيل
وشموخك في هذه الدنيا كأنه شموخ الجبال
شوف حالي من السعادة، بحياتي دليل
وفي غيبتك، ما للصبر عندي أي مجال
النهار أسود، ما عاد به فرق مع الليل
أسهر عيوني، ودَمْعَها على الخد همال
واتجه للقبلة، واطلب من الله الجليل
يالله، يالله، ترد من غيابه علينا طال
تكفى، تراني دخيل الله ثم عليك دخيل
ما للسهر والصبر عندي أي احتمال
عطنا من باقي عمرك، ووقتك القليل
ودي أدفى بك، وأحسّ إن للعز ظلال
ليه إذا شفتك، تقتل فرحتي بالرّحيل
ما مداني أقولك، وشلونك وكيف الحال
طلبتك تدور لأسلوب حياتك بديل
ما عاد أطيق في هالدنيا سالفة الترحال
وعيني ما عاد لها على السهر حيل
ما تدري أنت في الجنوب، ولا في الشمال
هذي نظم حروف قصيدتي، جاتك مقابيل
تشكي عليك من هموم الليالي الطوال
صارت فريسة، وأنت كنت أسدها.
قصائد في المديح
ومن جميل ما نظمه الشعراء في المديح ما يأتي:
لأمدحنّ بني المهلب مديحة
الفرزدق
لأمدحنّ بني المهلب مديحةً
غراء ظاهرة على الأشعار
مثل النّجوم، أمامها قمر لها
يجلو الدجى ويضيء ليل الساري
ورثوا الطعان عن المهلب والقِرى
وخلائقاً كالتدفق الأنهار
أما البنونة، فإنهم لم يورثوا
كتراثه لابنائه يوم فخار
كل المكارم عن يديه تقسموا
إذ مات رزق أرامِل الأمصار
كان المهلب للعراق سكينةً،
وحيا الربيع ومعقل الفُرّار
كم من غنىً فتح الإله لهم به
والخيل مقعيات على الأقتار
والنبل ملجَمة بكل محدرجٍ
من رجل خصيبة من الأوتار
أما يزيد، فإنّه تأبى له
نفس موطنة على المقدار
ورّادة شعَب المنية بالقنا،
فيدِر كل مُعاندٍ نعار
شعب الواتين بكل جائشةٍ لها
نفث يجيش فمها بالمسبار
وإذا النفوس جشأن طامن جأشهَا
ثقةً بها لحماية الأدبار
إني رأيت يزيد عند شبابهِ
لبس التقى ومهابة الجبّار
ملكٌ عليه مهابة الملك التقى
قمر التمام به وشمس نهار
وإذا الرجال رأوه يزيد رأيتهم
خضع الرقاب نواكس الأبصار
لأغرَّ ينجاب الظلام لوجهه
وبه النفوس يقعن كل قرار
أيَزيد إنّك للمُهلب أدركتْ
كفاك خير شلائق الأخيار
ما من يدي رجلٍ أحقّ بما أتى
من مكرمات عظايم الأخطار
من ساعدين يزيد يقدح زندَه
كفّاهما وأشدّ عقد جوار
ولو أنّها وُزنَتْ شمام بحلمهِ
لأمال كل مقيمة حضجار
ولقد رجعتَ وإن فارس كلها
من كردها لخوائف المرار
فتركتَ أخوفها وإن طريقها
ليجوزَهُ النبطي بالقنطار
أما العراق فلم يكن يُرجى به،
حتى رجعت، عواقب الأطهار
فجمعتَ بعد تفريقٍ أجنادهُ
وأقمتَ ميلَ بنائه المنهار
ولَيينزلنّ بجيل جيلان الذي
ترَك البحيرة، محصَد الأمرار
جيشٌ يسير إليه ملتمسَ القِرَى
غصباً بكل مسوّمٍ جرّار
لَجبٍ يضيق به الفضاءُ إذا غدوا
وأرى السماء بغابةٍ وغبار
فيه قبائل من ذوي يمن له
وقضاعة بن معدّها ونزار
ولئن سلمت لتعطفنّ صدورَها،
لترك، عطفةَ حازمٍ مغوارٍ
حتى يرى رتبيلُ منها غارةً
شَعْوَاءَ، غيرَ ترجم الأخبار
وطئتْ جياد يزيد كل مدينةٍ
بين الردوم وبين نخل وبار
شعثاً مُسَوَّمَةً، على أكتافها
أسدٌ هواسِرُ للكُمَاةِ ضوارِ
ما زالَ مذْ عَقَدَتْ يَداهُ إزارهُ
فَدَنَا فأدرَكَ خمسَةَ الأشْبَارِ
يدني خَوافِقَ من خَوَافِقَ تَلتَقي
في كُلّ مُعتبَطِ الغُبارِ مُثَارِ
ولقد بنى لبني المهلب بيتهمْ
في المجدِ أطولُ أذرُعٍ وسواري
بُنيَتْ دعائمُه على جبلٍ لهمْ
وعَلَت فَوَارِعُه على الأبصار
تلقَى فَوَارِسَ للعتيكِ كأنّهُمْ
أُسْدٌ قَطَعْنَ سَوَابِلَ السُّفّارِ
ذَكَرَين مُرْتَدِفَين كُلّ تَقَلّصٍ
ذَكرٍ شديد إغارة الإمْرَارِ
حملوا الظباتِ على الشؤون وأقسموا
لَيُقنِعُنّ عِمَامَةَ الجَبّارِ
صرعوهُ بين دكادِكٍ في مَزحَفٍ
للخيل يُقْحِمُهُنّ كلَّ خبارِ
متقلدي قَلَعيّةٍ وصوَارِمٍ
هنديةٍ، وقديمة آثار
وعواصلٍ عسل الذئاب، كأنّها
أشطان باينة من الآبار
يَقصِمنَ إذ طَعَنوا بها أصحابَهُمْ
حلَقَ الدروع، ولهن غير قصار
تَلْقَى قبائل أُمّ كل قبيلةٍ
أُمُّ العتيكِ بناتقٍ مذكارِ
ولدَتْ لأزهر كل أصيَدَ يبتني
بالسيفِ يوم تعانقٍ وكرارِ
يحمي المكارمَ بالسيوفِ إذا عَلا
صوت الظبات يطيرن كلّ شرارِ
من كل ذاتِ حبائكَ ومفاضَةٍ
بيضاءَ سابغةً على الأظْفَارِ
إن القصور بجيل جيلان التي
أعيت معاقلها بني الأحرار
فُتِحَت بسيف بني المهلب، إنّها
لله عادةهم على الكفار
غَلَبوا بأنهم الفوارس في الوغى
والأكثرون غداةً كلٍ كثارٍ
والأحلَمونَ إذا الحُلومُ تهتزتْ
بالقوم ليس حُلُومُهم بصغارِ
والقائِدُونَ إذا الجيادُ تروّحتْ
وَمَضَينَ بعد وجىً على الحِزْوَارِ
حتى يَرِعْنَ وَهُنَّ حَوْلَ مُعَمَّمٍ
بالتاجِ في حلقِ الملوكِ نُضارِ
أُعِيذُكَ مِنْ هِجَاءٍ بَعْدَ مَدْحِ
الشريف الرضي
أُعِيذُكَ مِنْ هِجَاءٍ بَعْدَ مَدْحِ
فعذني من قتال بعد صلح
منحتك جلّ أشعاري فلمّا
ظفرت بهنّ لم أظفر بمنح
كبَا زَنْدِي بحَيْثُ رَجَوْتُ مِنْهُ
مساعدة الضياءِ فخابَ قدح
وكنت مضافري فثلمت سيفي
وكنت معاضدي فقصفت رمحي
وكنت ممنعاً فأذل داري
دخولك ذل ثغرٍ بع فتح
فيا ليثاً دعوت به ليحمي
حماي من العدى فاجتاح سرحي
ويا طِبّاً رَجَوْتُ صلاحَ جسمي
بكَفّيْهِ، فزَادَ بَلاءَ جُرْحي
ويا قمراً رجوت السير فيه
فَلَثّمَهُ الدُّجَى عنّي بجُنْحِ
سأرمي العزم في ثغر الدّياجي
وأحدو العيس في سلم وطلح
لبِشرٍ مصفّق الأخلاق عذبٍ
وجود مهذب النشوات سمح
وقورٍ ما استخفّتُهُ الليالي
ولا خدعتْهُ عن جدٍ بمزحِ
إذا ليل النوايب مدّ باعاً
ثناه عن عزيمَتِهِ بصُبْحِ
وإن ركض السّؤال إلى نِداه
تَتَبَعَ إثْرَ وَطْأَتِهِ بِنُجْحِ
وأصْرِفُ هِمّتي عَنْ كُلّ نِكْسٍ
أمَلَّ عَلى الضّمَائِرِ كُلَّ بَرْحِ
يهدّدني بقُبح بعد حُسن
ولم أرَ غَيْرَ قُبْحٍ بَعْدَ قُبْحِ
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب
المتنبي
أُغالِبُ فيكَ الشوقَ والشوقُ أغلَبُ
وأعجبُ من ذا الهجرِ والوصلُ أعجبُ
أمَا تَغْلَطُ الأيّامُ فيّ بأنْ أرى
بغيضاً تُنَائي أوْ حَبيباً تُقَرّبُ
ولله سَيْرِي، ما أقَلّ تَئِيّةً
عَشِيّةَ شَرْقيّ الحَدَالى وَغُرَّبُ
عَشِيّةَ أحفَى النّاسِ بي مَن جفوتُهُ
وَأهْدَى الطّرِيقَينِ التي أتَجَنّبُ
وَكَمْ لظَلامِ اللّيْلِ عِندَكَ من يَدٍ
تُخَبِّرُ أنّ المَانَوِيّةَ تَكْذِبُ
وَقَاكَ ردَى الأعداء تسري إلَيْهِمُ
وزارَكَ فيهِ ذو الدّلال المُحَجَّبُ
ويومٍ كليلِ العاشقين كنتهُ
أراقبُ فيه الشّمسَ أيّانَ تَغرُبُ
وعيني إلى أُذْنَيْ أغَرَّ كأنّهُ
منَ اللّيْلِ باقٍ بَينَ عَيْنَيْهِ كوكبُ
له فضلةٌ عَنْ جِسْمِهِ في إهَابِهِ
تَجيءُ على صَدْرٍ رَحيبٍ وتذهَبُ
شَقَقْتُ بهِ الظّلْماءَ أُدْني عُنَانَهُ
فيَطْغَى وأُرْخيه مراراً فيَلعبُ
وَأصرَعُ أيّ الوحشِ قفّيْتُهُ بِهِ
وأنْزِلُ عنه مثلَهُ حينَ أرْكَبُ
وما الخيل إلاّ كالصّديقِ قَليلَةٌ
وإن كَثُرَتْ في عَينِ مَن لا يجرّبُ
إذا لم تُشاهِدْ غَيْرَ حسنِ شِياتِهَا
وَأعْضَائِهَا فالحُسنُ عَنكَ مُغَيَّبُ
لحَى الله ذي الدّنيا مُناخاً لراكبٍ
فكُلُّ بَعيدِ الهَمّ فيهَا مُعَذَّبُ
ألا لَيْتَ شعري، هَلْ أقولُ قَصِيدَةً
فَلا أَشْتَكي فيها وَلا أتَعَتّبُ
وبي ما يذود الشعر عني قَلُلَهُ
ولكن قلبي يا ابنة القوم قَلَّبُ
وأخلاق كافورٍ إذا شِئْتُ مَدْحَهُ
وإن لم أشأ تُملي عليّ وَأكْتُبُ
إذا تَرَكَ الإنسانُ أهلاً وَرَاءَهُ
ويَمّمَ كافوراً فما يَتَغَرّبُ
فَتى يَمْلأ الأفْعالَ رأياً وحِكْمَةً
ونَادِرَةً أحياناً يَرضَى وَيَغْضَبُ
إذا ضرَبتْ في الحربِ بالسيفِ كفُّهُ
تَبَيَّنْتَ أنّ السّيفَ بالكَفّ يَضرِبُ
تزيدُ عَطَاياهُ على اللّبْثِ كَثْرتَةً
وَتَلْبَثُ أمْوَاهُ السّحابِ فَتَنضُبُ
أبا المسكِ هل في الكأسِ فَضْلٌ أنالُهُ
فإنّي أُغَنّي منذُ حينٍ وتَشرَبُ
وهبتَ على مِقدارِ كَفّيْ زَمَانِنَا
ونهَسِي على مِقدارِ كَفّيكَ تَطلُبُ
إذا لم تَنُطْ بي ضَيْعَةً أوْ وِلايَةً
فَجُودُكَ يَكسُوني وَشُغلُكَ يَسْلَبُ
يُضاحِكُ في ذا العيدِ كُلٌّ حَبيبَهُ
حِذائي وَأبكي مَنْ أُحِبّ وَأنْدُبُ
أحِنُّ إلى أهْلي وَأهْوَى لِقَاءَهُمْ
وأينَ مِنَ المُشْتَاقِ عَنْقاءُ مُغرِبُ
فإن لم يكُنْ إلاّ أبُو المُسْكِ أوْ هُمُ
فإنّكَ أحلى في فؤادي وَأعْذَبُ
وكلامرءٍ يولي الجميل مُحَبَّبٌ
وكل مكانٍ يُنْبِتُ العز طيّبُ
يُريدُ بكَ الحُسّادُ ما الله دافِعٌ
وَسُمُرُ العَوَالي وَالحَديدُ المُذَرّبُ
ودونَ الذي يَبْغُونَ ما لوْ تَخَلّصُوا
إلى المَوْتِ منه عشتَ وَالطّفلُ أشيبُ
إذا طَلَبوا جَدواكَ أُعطوا وَحُكّموا
وإن طَلَبوا الفضْلَ الذي فيك خُيِّبوا
ولو جازَ أن يحوُوا عُلاكَ وَهَبْتَهَا
ولكنّ من الأشياءِ ما ليسَ يُوهَبُ
وأظلمُ أهل الظلمِ من باتَ حاسِداً
لمن باتَ في نَعْمائِهِ يَتَقَلّبُ
وَأنتَ الذي رَبّيْتَ ذا المُلْكِ مُرْضَعاً
وَلَيسَ لَهُ أُمٌّ سواكَ ولاق أبُ
وَكنتَ لَهُ لَيْثَ العَرِينِ لشِبْلِهِ
وَمَا لكَ إلاّ الهندوانيّ مِخلبُ
لَقِيتَ القَنَا عَنْهُ بنَفْسٍ كريمةٍ
إلى الموْتِ في الهَيجا من العارِ تَهرُبُ
وَمَا عَدِمَ اللاقُوكَ بَأساً وَشِدّةً
وَلَكِنّ مَنْ لاقَوْا أشَدُّ وَأنجَبُ
ثنَاهم وَبَرْقُ البِيضِ في البَيض صَادقٌ
عليهم وَبَرْقُ البَيضِ في البِيض خُلَّبُ
سَلَلْتَ سُيوفاً عَلّمتْ كلَّ خاطِبٍ
على كلّ عُودٍ، كيفَ يدعو ويخطُبُ
وَيُغنيكَ عمّا يَنسُبُ الناسُ أنّهُ
إلَيكَ تَنَاهَى المَكرُماتُ وَتُنسَبُ
وأيُّ قَبيلٍ يَسْتَحِقّكَ قَدْرُهُ
مَعَدُّ بنُ عَدنانٍ فِداكَ وَيَعرُبُ
وَمَا طَرَبي لمّا رَأيْتُكَ بِدْعَةً
لقد كنتُ أرْجُو أنْ أرَاكَ فأطرَبُ
وَتَعْذُلُني فيكَ القوَافي وَهِمّتي
كأنّي بمَدْحٍ قَبلَ مَدْحِكَ مُذنِبُ
وَلَكِنّهُ طالَ الطّريقُ ولم أزَلْ
أفتّش عَن هَذا الكلامِ ويُنْهَبُ
فشَرّقَ حتى ليسَ للشَرْقِ مَشرِقٌ
وَغَرّبَ حتى ليسَ للغرْبِ مَغْرِبُ
إذا قُلْتُهُ لم يَمْتَنِعْ مِن وُصُولِهِ
جِدارٌ مُعَلًّى أوْ خِبَاءٌمُطَنَّبُ