أثر الإيمان بعلم الله الشامل
يتجلى الإيمان بعلم الله -تعالى- الشامل في مجموعة من الآثار، منها ما يلي:
- الإيمان المطلق بأن الله -تعالى- هو الوحيد الذي يعلم الغيب؛ كما يقول سبحانه: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ). وبالتالي، فإن المؤمن بعلم الله وحده يتجنب الاتكال على ما قد يزعمه المنجمون والكهنة حول الغيب. علم الله -تعالى- هذا قد يُخبر به بعض رسله لمن ارتضاه، استناداً إلى قوله: (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ).
- الإيمان بأن الله -تعالى- على علم بما يخفى في قلوب الإنسان وأسرار نفسه، مما يُحفزه على تجنب الذنوب والمعاصي؛ لأن الله -تعالى- لا تخفى عليه خافية، مما يدفع الإنسان لمراقبة أعماله والسعي لإرضاء خالقه. يُذكر في القرآن: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ).
- السعي لاستثمار الوقت والعمر في أعمال صالحة، والابتعاد عن المحرمات، وتعظيم الله -تعالى- وإجلاله؛ لأنه سيحاسب عباده عن كل أعمالهم وما تم ارتكابه يوم القيامة، كما ورد في قوله: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا).
فهم علم الله تعالى
يؤمن المسلم بأن الله -تعالى- عليم بكافة الأمور في الكون، فهو يعرف ما في نفوس البشر وما تخفيه القلوب، ويأمل أن يدرك عباده هذه الحقيقة. يقول تعالى: (اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا). فالغرض من ذلك هو إدراك العبد لعظمة الله، وصفاته، وطاعته. إن الله -تعالى- يحب الإنسان العليم ويمنحه معرفة خاصة به، كما أنه يُعطي عباده ما لم يعلموه، من مثل القوانين والمعاني والألفاظ، وذلك لمساعدتهم على معرفة خالقهم، كما في قوله: (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). من أسماء الله الحسنى “العليم”، وتعني أنه مُحِيط علمه بكل ما في الكون.
يشمل علم الله كل ما هو موجود وغير موجود، وكذلك الممكن وغير الممكن، ويُدرك آجال البشر، ورزقهم، وتحركاتهم وسكناتهم، وكل أعمالهم ومصائرهم قبل خلقهم، وأيضاً قبل خلق السماوات والأرض. يقول تعالى: (عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ). كما يعلم سبحانه أحوال الكاذبين الذين يتمنون العودة إلى الدنيا ليؤمنوا، حيث يقول: (وَلَو رُدّوا لَعادوا لِما نُهوا عَنهُ وَإِنَّهُم لَكاذِبونَ). ويُدرك -تعالى- حال الأطفال الذين توفوا صغاراً، وعندما يكبرون كيف سيكون عملهم، وبفضل رحمته يُدخلهم الجنة. وعندما سُئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أطفال المشركين، قال: (اللهُ أعلمُ بما كانوا عامِلينَ). إن علم الله -تعالى- علم أزلي، أي أنه موجود قبل وجود المخلوقات، وقد سُجل في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض.
كمال صفات الله
يتصف الله -تعالى- بجميع صفات الكمال غير المنتهية، ومن بينها صفة العلم؛ التي تشير إلى علم الله -تعالى- الأبدي بما كان وما سيكون، وكذلك علمه بالغيب، والذي لا يُطلع عليه سواه إلا ما يُخبر به بعض أنبيائه لتأييدهم. وتعتبر صفة العلم من الصفات الثابتة التي ذكرت في كثير من آيات القرآن الكريم، مثل قوله: (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ)، وأيضاً: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ). وقد أكد أهل السنة والجماعة على صفة العلم لله -تعالى- لكافة الأشياء والأحداث في أي زمانٍ ومكان، بالإضافة إلى علمه بالغيب، كما ورد في قوله: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ). ولو اجتمع كافة البشر على محاولة الإحاطة بعلم الله -تعالى- لما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.