كيف يمكن قراءة الشعر وفهمه بفعالية؟
تعتبر آلية قراءة الشعر بمثابة الطريقة التي يعتمدها القارئ لفهم المعاني التي أراد الشاعر التعبير عنها في قصيدته. إن الشعر العربي تميز بالغموض من العصر الجاهلي إلى الحاضر، مما يتطلب من القارئ اتباع خطوات محددة للكشف عن المعاني الخفية في النص.
قراءة النص بشكل صحيح
تتطلب المرحلة الأولى من القارئ قراءة الشعر بشكل دقيق، ويجب أن يكون النص مضبوطة بالشكل تمامًا، أو على الأقل شبه كامل. الضبط يساعد القارئ في فهم المعاني بشكل صحيح، حيث الإعراب يعتمد على هذا الفهم. كمثال على ذلك، يجب على القارئ قراءة بيت أبي تمام بالشكل الصحيح:
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ
:::في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
من الضروري أن تكون القراءة مضبوطة بشكل صحيح لتجنب أي لبس في المعاني.
تحديد موضوعات القصيدة
بعد قراءة النص بشكل مضبوط، ينتقل القارئ إلى المرحلة التالية وهي تحديد موضوعات القصيدة. يجب على القارئ التعرف على الأفكار الرئيسية في القصيدة للوصول إلى المعنى المراد من قبل الشاعر.
تحمل كل قصيدة مجموعة من الموضوعات التي تساعد القارئ في فهم المعنى العام. فعلى سبيل المثال، يمكن للقارئ إدراك موضوع قصيدة أبي تمام عندما يقرأ:
يا يَومَ وَقعَةِ عَمّورِيَّةَ اِنصَرَفَت
:::مِنكَ المُنى حُفَّلًا مَعسولَةَ الحَلَبِ
أَبقَيتَ جَدَّ بَني الإِسلامِ في صَعَدٍ
:::وَالمُشرِكينَ وَدارَ الشِركِ في صَبَبِ
يستشف القارئ من هذه الأبيات أن القصيدة تتحدث عن معركة بين المسلمين والمشركين.
فهم دلالات الألفاظ
للوصول إلى فهم شامل للقصيدة، ينتقل القارئ إلى مرحلة أدق وهي معرفة دلالات الألفاظ المستخدمة. يجب على القارئ تحليل المفردات لفهم معانيها بشكل دقيق. يتضمن هذا التحليل دراسة الحروف، الكلمات، التراكيب والجمل التي يتكون منها النص.
ينبغي أن يوضح القارئ الحروف المستعملة: هل كانت هادئة، قوية، أم واضحة. ثم ينتقل إلى تحليل الألفاظ والتأكد مما إذا كانت تلائم موضوع الشاعر أو لا. فمثلًا عندما يقول أبو تمام:
فَتحُ الفُتوحِ تَعالى أَن يُحيطَ بِهِ
:::نَظمٌ مِنَ الشِعرِ أَو نَثرٌ مِنَ الخُطَبِ
فَتحٌ تَفَتَّحُ أَبوابُ السَماءِ لَهُ
:::وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِها القُشُبِ
نلاحظ أن الشاعر استخدم ألفاظًا قوية ومؤثرة لتعكس الموقف الهام الذي يعاني منه المسلمون في سعيهم لفتح البلاد.
فهم الرموز والإيحاءات
الشعر هو تعبير عن اللغة فيريعتها العالية، ويحتوي على مجموعة من الرموز والدلالات. ينبغي على القارئ أن يكون واعيًا لهذه الرموز، خاصة في الشعر الحديث حيث يتم استخدام الرموز كوسيلة للتعبير.
قد تتباين تفسيرات الرموز بين العصور، فعلى سبيل المثال، في إحدى قصائد محمود درويش:
:مقهًى وأَنتَ مع الجريدة جالسٌ
:لا، لَسْتَ وحدَك
:نِصْفُ كأسك فارغٌ
:والشمسُ تملأ نصفها الثاني..
:ومن خلف الزجاج ترى المشاة المسرعين ولا تُرَى
:[إحدى صفات الغيب تلك:
:تَرى ولكن لا تُرَى]
:كم أَنت حُرُّ أَيها المنسيُّ في المقهى!
:فلا أَحدٌ يرى أَثَرَ الكمنجة فيك،
:لا أَحَدٌ يحملقُ في حضوركَ أو غيابكَ،
:أَو يدقِّقُ في ضبابك إن نظرتَ إلى فتاةٍ وانكسرت أَمامها.
التحليل البلاغي للقصيدة
بعد الانتهاء من الوقوف على رموز القصيدة، يتجه القارئ إلى التحليل البلاغي، حيث يجب التأمل في العناصر الجمالية والنحوية للنص.
يجمع القارئ بين العبارات والكلمات، مثلما يظهر في قصيدة أبي تمام:
حَتّى تَرَكتَ عَمودَ الشِركِ مُنعَفِرًا
:::وَلَم تُعَرِّج عَلى الأَوتادِ وَالطُنُبِ
يوجد هنا استعارة محكمة في الشطر الأول مما يعكس قدرة الشاعر على توظيف الصور البلاغية بطريقة مؤثرة.
فهم السياق الثقافي للنص
تعتبر هذه الخطوة الأخيرة في عملية القراءة، حيث يجب على القارئ الإلمام بسياق القصيدة الثقافي من خلال التعرف على عصر الشاعر وفهم الأساليب اللغوية التي تضيء النص.
كمثال على ذلك، في قصيدة أبي تمام السابقة:
وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً
:::بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ
أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما
:::صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ
تَخَرُّصًا وَأَحاديثًا مُلَفَّقَةً
:::لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ
عَجائِبًا زَعَموا الأَيّامَ مُجفِلَةً
:::عَنهُنَّ في صَفَرِ الأَصفارِ أَو رَجَبِ
وَخَوَّفوا الناسَ مِن دَهياءَ مُظلِمَةٍ
:::إِذا بَدا الكَوكَبُ الغَربِيُّ ذو الذَنَبِ
في هذه الأبيات، يشير أبو تمام إلى أولئك الذين يزعمون أن فتح البلاد يعتمد على الأوقات المحظورة، مؤكدًا أن العلم الحقيقي يتمثل في القوة والتصميم.
إعادة قراءة النص بشكل شامل
عند إكمال القارئ جميع المراحل التحليلية، يجب عليه إعادة قراءة النص مرة أخرى. هذه القراءة تهدف إلى توطيد الفهم بعد الوقوف على جميع جوانب القصيدة من حيث المعاني والعناصر الجمالية.