نزار قباني
يُعتبر نزار قباني رمزًا شعريًا محوريًا في عالم الأدب العربي، حيث يُعرف بشعره الذي يجسد الحب والمرأة. لا يمكن إنكار أن نزار كان رائد المدرسة الحداثية الشعرية، إذ أحدث تأثيرًا ملحوظًا في القضايا الإنسانية والاجتماعية، مما جعله محبوبًا في كل من الشرق والغرب. استطاعت لغته السلسة وموضوعاته الجريئة أن تصل إلى قلوب الصغار والكبار على حد سواء، حيث تناقش قصائده الحب وتقنيات النقد اللاذع للأوضاع العربية والفساد في الأنظمة الحاكمة. وُلِد قباني في دمشق، وقد أظهر شغفًا عميقًا لوطنه برغبته في أن يُدفن في مسقط رأسه بعد وفاته. توفي نزار قباني عن عمر يناهز 75 عامًا في 30 أبريل من عام 1998.
نبذة عن حياة نزار قباني
وُلِد نزار قباني في عام 1923 في حي مئذنة الشحم بدمشق، وكان والده توفيق قباني من أبرز تجار المدينة وصاحب مصنع الحلوى، حيث كرس حياته وموارده لدعم الحركة الوطنية ضد الانتداب الفرنسي. وقد تأثر نزار بشغف والده للأدب والفنون، بالإضافة إلى الإرث الفني لعمه أبو خليل القباني، الذي يُعتبر رائد المسرح العربي. نشأ نزار في عائلة تقدر الجمال والأدب، برفقة إخوته المعتز ورشيد وصباح وهيفاء ووصال. وقد تركت حادثة انتحار شقيقته التي كانت مضطهدة في زواجها أثرًا عميقًا في نفسه، مما ساعده في نسج فلسفته الفريدة حول الحب ودعم حقوق المرأة عبر أشعاره.
درس نزار المرحلة الثانوية في دمشق وحصل على شهادة البكالوريا من الكلية العلمية الوطنية، ثم تخرج بشهادة الليسانس في الحقوق من الجامعة السورية عام 1945. بعد ذلك، عمل في السلك الدبلوماسي حتى استقالته في عام 1996، حيث شغل منصب ملحق في سفارة سوريا بالقاهرة عندما كان في الثانية والعشرين من عمره، وبعد ذلك انتقل إلى العديد من الدول قبل أن يستقر في بيروت.
بدأ نزار قباني كتابة الشعر عام 1939، وأصدر أول ديوان له بعنوان (قالت لي السمراء) عام 1944، وهو يعتبر بداية جديدة للشعر العربي الحديث، على الرغم من الهجمات التي تعرض لها من قبل المحافظين نتيجة لمواضيع قصائده الجريئة التي تعكس قضايا جيله. تأثرت أعماله بشكل كبير بالأزمة العربية، وخاصة بعد نكسة يونيو 1967، مما دفعه إلى النقد الذاتي للعرب من خلال شعره. وقد أثارت بعض قصائده، مثل (خبز وحشيش وقمر) و(هوامش على دفتر النكسة)، جدلًا واسعًا نظرًا لما تتضمنه من نقد اجتماعي.
أجمل قصيدة لنزار قباني
على الرغم من أنه من الصعب تحديد أجمل قصائد نزار، إلا أنه يمكننا تسليط الضوء على الأبيات الرائعة التي كتبها عن زوجته بلقيس الراوي. فقد ارتبط الاثنان بقصة حب قوية، حيث وصف نزار بلقيس بأنها “كنز عظيم” تم اكتشافه أثناء رحلته إلى بغداد في عام 1962 لتقديم أمسية شعرية. رغم معارضة أهل بلقيس لعلاقتهما، استمر نزار في التقدم لخطبتها، حتى تزوجا بعد دعم الجمهور لمحبتهما في مهرجان المربد عام 1969. لكن tragically، تغيرت الأحداث حينما قُتلت بلقيس في انفجار السفارة العراقية في بيروت، مما دفع نزار إلى كتابة قصيدته المؤثرة في رثائها.
قصيدة بلقيس
شكرًا لكم ..
شكرًا لكم ..
فحبيبتي قُتِلَت.. وصار بوُسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدةْ
وقصيدتي اغْتِيلتْ ..
وهل من أُمَّـةٍ في الأرضِ ..
– إلا نحنُ – تغتالُ القصيدة؟
بلقيسُ …
كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابلْ
بلقيسُ …
كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراقْ
كانتْ إذا تمشي ..
ترافقُها طواويسٌ ..
وتتبعُها أيائِلْ ..
بلقيسُ.. يا وَجَعِي ..
ويا وَجَعَ القصيدةِ حين تلمَسُها الأناملْ
هل يا تُرى ..
من بعد شَعْرِكِ سوفَ ترتفعُ السنابلْ ؟
يا نَيْنَوَى الخضراءَ ..
يا غجريَّتي الشقراءَ ..
يا أمواجَ دجلةَ ..
تلبسُ في الربيعِ بساقِهِا
أحلى الخلاخِلْ ..
قتلوكِ يا بلقيسُ ..
أيَّةُ أُمَّةٍ عربيةٍ ..
تلكَ التي
تغتالُ أصواتَ البلابِلْ ؟
أين السَّمَوْأَلُ ؟
والمُهَلْهَلُ ؟
والغطاريفُ الأوائِلْ ؟
فقبائلٌ أَكَلَتْ قبائلْ ..
وثعالبٌ قَتَـلَتْ ثعالبْ ..
وعناكبٌ قتلتْ عناكبْ ..
قَسَمَاً بعينيكِ اللتينِ إليهما ..
تأوي ملايينُ الكواكبْ ..
سأقُولُ ، يا قَمَرِي ، عن العَرَبِ العجائبْ
فهل البطولةُ كِذْبَةٌ عربيةٌ ؟
أم مثلنا التاريخُ كاذبٌ ؟.
بلقيسُ
لا تتغيَّبِي عنّي
فإنَّ الشمسَ بعدكِ
لا تُضيءُ على السواحِلْ . .
سأقول في التحقيق :
إنَّ اللصَّ أصبحَ يرتدي ثوبَ المُقاتِلْ
وأقول في التحقيق :
إنَّ القائدَ الموهوبَ أصبحَ كالمُقَاوِلْ ..
وأقولُ :
إن حكايةَ الإشعاع ، أسخفُ نُكْتَةٍ قِيلَتْ ..
فنحنُ قبيلةٌ بين القبائِلْ
هذا هو التاريخُ . . يا بلقيسُ ..
كيف يُفَرِّقُ الإنسانُ ..
ما بين الحدائقِ والمزابلْ
بلقيسُ ..
أيَّتها الشهيدةُ .. والقصيدةُ ..
والمُطَهَّرَةُ النقيَّةْ ..
سَبَـأٌ تفتِّشُ عن مَلِيكَتِهَا
فرُدِّي للجماهيرِ التحيَّةْ ..
يا أعظمَ المَلِكَاتِ ..
يا امرأةً تُجَسِّدُ كلَّ أمجادِ العصورِ السُومَرِيَّةْ
بلقيسُ ..
يا عصفورتي الأحلى ..
ويا أَيْقُونتي الأَغْلَى..