أبو فراس الحمداني والمتنبي
برز في عصر سيف الدولة الحمداني عدد من الشعراء المميزين، واحتل كلٌ من أبي فراس الحمداني وأبي الطيب المتنبي مكانةً رفيعة. كان المتنبي يُعتبر أعجوبة عصره، حيث خلد اسمه في قصائد المدح التي ألقاها في حق الأمير. اشتهرت قصائده على نطاق واسع بين العرب، حاملةً معها مكانة رفيعة للأمير في قلوبهم. من ناحية أخرى، كان أبو فراس شاعراً بارعاً يتميز ببلاغته، إذ عكست أشعاره آلام الحزن والمعاناة. كلا الشاعرين، الحمداني والمتنبي، نالا قيمة مرموقة في بلاط سيف الدولة.
العلاقة بين المتنبي وأبي فراس الحمداني
كان المتنبي يتلقى تكريماً خاصاً في بلاط سيف الدولة، حيث طلب منه الأمير أن ينشد شعره جالساً بدلاً من الوقوف كغيره من الشعراء، وهو ما رآه سيف الدولة بمثابة تشريف له. هذه التقديرات أسهمت في نشوء علاقة ودية بينهما، حيث كان الأمير ينعم عليه بالعطايا تكريماً له على قصائده. ومع ذلك، كانت العلاقة بينهما تتسم بالتوتر، خاصةً بسبب انتمائهما إلى عائلة واحدة. فقد أحدثت غيرة بينهما، وتكوّن حول كل شاعر مجموعة من المؤيدين، مما عمق الهوة في العلاقة.
اعتمد كل من الشاعرين أسلوباً خاصاً في التقليل من شأن الآخر. فقد يرى أبو فراس أن المتنبي شخص عادي قد ارتفعت مكانته بفضل شعره، بينما رأى المتنبي أن أبا فراس قد استفاد من منصبه الأميري في رفع مكانته. لم يتردد أبو فراس في التقليل من قيمة قصائد المتنبي، حتى أنه وصف أحداها بالمسروقة. وفي وسط هذه المناوشات، زادت الهوة بين سيف الدولة والمتنبي نتيجة تأثير أبي فراس.
كان المتنبي قد نظم قصيدة معروفة أعرب فيها عن شجبه للأوضاع، ولكن انتقاد أبو فراس لم يؤثر عليه، بل واصل إلقاء قصائده، مما أفقدهما الكثير من التفاهم والود.
الشبه والاختلاف بين المتنبي وأبي فراس الحمداني
الناحية الاجتماعية
شهدت نشأة الشاعرين اختلافات جسيمة؛ حيث يعود نسب أبو فراس الحمداني إلى قبيلة تغلب، المعروفة بقوتها في العصور القديمة. على النقيض، نشأ المتنبي في أسرة فقيرة يعود جذورها إلى قبيلة كهلان في اليمن. كلاهما تربي على يد أمه أو جده، حيث شعر كل منهما بمرارة اليتم في حياته. وكان كلاهما يواجه تحديات مختلفة، ولكن تجاربهم في الحياة كونتهم كشعراء مميزين.
قد تعرض كلا الشاعرين للسجن، لكن لأسباب مختلفة؛ فقد قُدِم أبو فراس كأسير في سجون الروم، بينما سُجن المتنبي عدة مرات لأسباب تتعلق بثورته الطموحة على السلطة. ومع ذلك، كانت العلاقة مع سيف الدولة العامل المشترك الذي جمعهما في تحصيل المكانة في مجتمعهما.
المواضيع الشعرية
تجلى بشكل لافت في شعر كلاً من أبي فراس والمتنبي القوة والمهارة اللغوية. إلا أن اختلاف الأغراض الشعرية ظهرت بوضوح، حيث كان المتنبي يميل إلى وصف الغزل في سياقات المدح بينما تميز أبو فراس في مضامين شعرية عاطفية، كما هو الحال في قصيدته الشهيرة “أراك عصي الدمع.” في مجال الفخر، كان أبو فراس يستفيد من تراث عائلته في رفع شأنه بينما كان فخر المتنبي مستنداً إلى ذاته.
تباينت أساليب التعبير بين الشاعرين، حيث أبدع أبو فراس في تصوير المشاعر الطبيعية من خلال الروميات والجوانب الاجتماعية، بينما لفتت أشعار المتنبي الأنظار بابتكاراته الفلسفية والمواضيع القتالية، مما جعل كلاً منهما فريداً في مجاله.
وصف المعارك
عاصر الشاعران فترات حرجة من الحروب ضد الروم، وعكست أشعارهما مشاعرهما إزاء الأحداث؛ حيث خاضا المعارك ونقلوا شعور الفرح أو الألم بطريقة تعبر عن شخصيتيهما. أظهرت أشعار أبو فراس بعضاً من الترف الذي عرفه في قصور سيف الدولة، بينما اتسمت قصائد المتنبي بالقوة والحماسة، مما ساهم في تميزه في وصف خوض المعارك النسق العنيف. هذا التباين شكل فرقا واضحاً في التعبير الشعري بين الشاعرين.