أسباب تراجع الأدب في عصر المماليك
يُعتبر العصر المملوكي بالنسبة للباحثين بداية لفترة من الضعف والانحطاط. ومع ذلك، فقد اعتبر كثيرون أن هذا الوصف يعكس ظلمًا للحقبة المملوكية، حيث شهدت العديد من المؤلفات والكتب التي تناولت شتى مجالات العلوم والأدب. ومع ذلك، فقد كان مستوى الأدب خلال هذه الفترة أقل جودة مقارنةً بالعصور السابقة، مما يعود لعدة أسباب سنستعرضها في هذا المقال.
عوامل أدت إلى تراجع الأدب في العصر المملوكي
تتعدد الأسباب التي ساهمت في ضعف الأدب في العصر المملوكي، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- تغير مفهوم الفن وتعبيرات الأدباء، إذ لم يعد يتميز النثر والشعر بالجودة في التعبير أو أصالة المعاني أو عفوية الألفاظ.
- تراجع الفكرة من التلاحم بين الصورة والفكرة في القصائد، وهو ما كان يعتبر من أساسيات الشعر الذي أخرج أسماء بارزة في الأدب منذ العصر الجاهلي حتى العباسي.
- الاعتماد على التقليد الأعمى للمبدعين السابقين، حيث أصبحت القصائد مخرجًا لمشاعر الآخرين بدلاً من أن تكون تعبيرًا حقيقياً عن المشاعر الذاتية، مما أضعف تأثيرها.
- الإفراط في استخدام الشكل البديعي لصالح المضمون.
- ميل المماليك للاهتمام بالنثر على حساب الشعر، وهو ما أثر سلبًا على الإبداع الشعري، وكان ذلك ناتجًا عن أعجمية الخلفاء التي دفعتهم إلى تفضيل الأسلوب البسيط.
- انتشار استخدام الألفاظ العامية في الكتابات النثرية والشعرية، مما أثر سلبًا على بلاغة اللغة وجودتها.
أنواع فنون النثر في العصر المملوكي
من أبرز الأنواع الأدبية النثرية التي انتشرت خلال العصر المملوكي هي الرسائل بمختلف أشكالها السياسية والاجتماعية والعلمية. وفيما يلي تفاصيل كل نوع:
الرسائل السياسية
تخصصت هذه الرسائل في توجيه الأوامر من السلاطين إلى الولاة أو في المناقشات بين السلاطين المماليك وغيرهم من ملوك الدول المجاورة. كما تتضمن أيضًا تقليد المناصب الجديدة. وتعد هذه الرسائل ذات قيمة تاريخية كبيرة، حيث توفر توثيقًا للتدابير السياسية والعسكرية التي كانت متبعة آنذاك، وتسلط الضوء على مدى حكمة المماليك في إدارة السياسات الخارجية.
الرسائل الاجتماعية
استمر أدباء العصر المملوكي في تقليد أساليب من سبقهم في كتابة الرسائل الاجتماعية، حيث تناولت مواضيع مثل المديح، التعازي، الشكر، والتهاني. بالإضافة إلى الحفاظ على تقنيات اللغة بلاغيًا وفنيًا.
الرسائل العلمية
تعتبر هذه الرسائل من أكثر الأنواع انتشارًا في ذلك الزمن. فهي تنقسم إلى نوعين: رسائل إجازة واستجازة. فالإستجازة تعني طلب عالم أو أديب الإذن للآخر برواية علمه للطلاب، بينما الإجازة تشير إلى الرد بالموافقة على ذلك الطلب. وهذا يشير إلى المستوى الذي وصل إليه العلماء والأدباء في العصر المملوكي، والذي لم يكن بسيطًا.
آراء حول تراجع الأدب في العصر المملوكي
يُعد تاريخ سقوط الدولة العباسية في بغداد بمثابة جرح عميق للأمة العربية المسلمة، وما زال هذا الحدث يؤثر عليها. وقد اعتبر العديد من الباحثين هذا الحدث عام 656هـ نقطة تحول بين قوة الدولة العربية وضعفها، مما أدى إلى التركيز على السلبيات دون الالتفات للسمات الإيجابية في العصر المملوكي.
رغم وجود ضعف ملحوظ في الأدب خلال العصر المملوكي، إلا أنه من الصعب تكوين صورة شاملة نظرًا لدراسات هذا العصر المحدودة. وإذا نظرنا إلى كمية المؤلفات التي أُنتجت في تلك الفترة، فسوف نجدها تتجاوز حدوداً لم تصل إليها حضارات سابقة. كما أن الفضل محفوظ للمؤلفين في ذلك الزمن لإعادة تجميع وهيكلة العديد من العلوم والأدب التي فقدت بعد غزو بغداد.
أما بالنسبة للابتكار والتجديد في الأدب خلال العصر المملوكي، فهي محدودة. إلا أن التميز في البراعة اللفظية تعكس مستوى من الكفاءة اللغوية التي يتمتع بها الأدباء، حتى لو كانت الفكرة تظهر غالبًا في إطار صارم.