الشعر في العصر الإسلامي
تميز الشعر في العصر الإسلامي بلغة واضحة وسهلة، حيث أظهرت القصائد في هذا العصر تأثيرات من القرآن الكريم وتعزيز القيم الأخلاقية والحث على الجهاد. وتحديداً، كان هناك عدد من الشعراء البارزين الذين أبدعوا في هذا المجال، من بينهم الفرزدق والجرير.
أحيوا أمامة واذكروا عهدًا ماضيًا
تُعتبر هذه القصيدة من أجمل قصائد الشاعر جرير، حيث مدح فيها هشام بن عبد الملك:
أحيوا أمامةَ واذكروا عهداً مضى
قبل التصدع من شماليل النوى
قالت بليت فما نراك كعهدنا
ليت العهود تجددت بعد البلى
أأمامة! غيرني، وأنت غريرٌ،
حاجات ذي أرب وهم كالجوى
قالت أمامة: ما لجهلك ما له،
كيف الصبابة بعد ما ذهب الصبا
ورأت أمامة في العظام حنياً
بعد استقامته وقصراً في الخطا
ورأت في لحيته خضاباً راعها
والويل للفتيات من خضب اللحى
وتقول إني قد لقيت بلية
من مسح عينك ما تزال يها قذى
لولا ابن عائشة المبارك سيبه،
أبكى بني وأمهم طوال الطوى
إن الرصافة منزل لخليفة
جمع المكارم والعزائم والتقى
ما كان جرب عند مد حبالكم
ضعف المتون ولا انفصام في العرى
ما إن تركت من البلاد مضيلة،
إلا رفعت بها مناراً للهدى
أعطيت عافية ونصراً عاجلاً،
آمين ثم وقيت أسباب الردى
الحمد لله الذي أعطاكم
سن الصنائع والدسائس والعلى
يا ابن الخضارم لا يعيب جباكم
صغر الحياض ولا غوائل في الجبى
لا تجفوا بني تميم إنهم
تابوا النصوح ورجعوا حسن الهوى
من كان يمرض قلبه من ريبة
خافوا عقابك وانتهى أهل النهي
واذكر قرابة قوم برة منكم
فالرحم طالبة وترضى بالرضا
سوست مجتمع الأباطح كلها
ونزلت من جبلي قريش في الذرى
أخذوا وثائق أمرهم بعزائم
للعالمين ولا ترى أمراً سدى
يا ابن الحماء فما يرام حماهم
كالسابقين بكل حمد يشترون
ما زلت معتصماً بحبل منكم
من حل نجوتم بأسباب نجى
وإذا ذكرتكم شدت قوتي؛
وإذا نزلت بغيثكم كان الحيا
فلأشكرن بلاء قوم ثبتوا
قصب الجناح وأنبتوا ريش الغنا
ملكوا البلاد فسُخّرت أنهارها
في غير مظلمة ولا تبع الريا
أوتيت من جذب الفرات جوارياً
منها الهني وسائح في قرقرة
والمجد للزند الذي أوريتُم
بحرٌ يمد عبابه جوف القنى
سروا إلى البلد المبارك فأنزلوا
واخذوا منازلكم من الغيث الجدا
سروا إلى ابن أرومة عادية
وابن الفروع يمدها طيب الثرى
سروا فقد جرت الأيام فانزلوا
باب الرصافة تَحمَدوا غب السرى
سرنا إليك من الملا عيدية
يخبطن في سرح النعال على الوجى
تدمى مناسمها وهن نواصل
من كل ناجية ونقض مرتضى
كلّفت لاحقة النميل خامسًا،
غُبْرَ المخارم وهي خاشعة الصوى
نرمي الغراب إذا رأى بركابنا
جلب الصفاح وداميات بالكلى
دعا دعوة الحبلى زباب وقد رأى
تُعد هذه القصيدة من قصائد الهجاء التي نظمها الفرزدق:
دعا دعوة الحبلى زباب، وقد رأى
بني قطن هزّوا القنا، فتزعزعا
كأنهم اقتادوا به من بيوتهم
خرواً من الشاء الحجازي أبقعا
فلَو كان لَوماً كان منجي أهلهم
لنجى زباباً لُومه أن يُقطع
إذاً لكفت السيف أمٌ لئيمةٌ،
وخَالٌ رعى الأشوال حتى تسعسعا
رُميلة أو شيما أو عركية
دلوك برجليها القعود الموقعة
فلا تحسبي يا ابني رميلة أنه
يكون بواءً دون أن تُقتلَا معًا
وإن تُقتلَا لا تُوفيَا غير أنه
دم الثأر أحرّى أن يُصاب فيُنقع
بني صامتِ هلا زجرتم كلابكم
عن اللحم بالخبراء أن يتمزقا
وليس كريم للخريبين ذائقاً
قراً بعدما نادى زباب فاسمعا
في شَرْعُكُم ألبانَها فاصفرّا بها
إذا الفأرُ من أرض السبيّة أمرعا
وعقد كان عوف ذو ذحولات كثيرة
وهذا طَلَباتٍ تترك الأنف أجعدا
أتيت بني الشرق تحسبُ عزّهم
على عهد ذي القرنين كان تضعضعاً
أتيتهم تسعى لتسقي دماءهم
وعمرو بشاجٍ قبره كان أضيعاً
أتأتون قومًا نارهم في أكفهم،
وقاتل عمرو يرقُد الليل أكتعا
ماضٍ على الغمرات
- قصيدة جرير يمدح بها الحجاج:
هاج الهَوى لفؤادك المشتاق،
فانظر يتوضح باكر الأحداج
هذا هَوىً شَعَفَ الفؤاد مبرّحٌ،
ونوىً تَقاذفُ غير ذات خلاج
إن الغراب بما كرهت لمولعٌ
بنوى الأحبة دائم التشحاج
ليت الغراب غداة ينعب بالنوى
كان الغراب مقطع الأوداج
ولقد علمت بأن سِرّكَ عندنا
بين الجوانح موثق الأشراج
ولقد رميناك حين رُحْنا بأعينٍ
ينظرن من خَلَلِ السّتُور سواجي
وبمنطقٍ، شَعَفَ الفؤاد، كأنّه
عسلٌ يجدنَ به بغير مزاج
قل للجَبان إذا تأخّر سرجه:
هل أنتَ من شرك المنية ناجي
فتعلّقن ببنات نعش هارباً
أو بالبحور وشدة الأمواج
من سدّ مطلع النفاق عليهمِ
أم مِن يَصُولُ كصولةِ الحجاج
أم مَنْ يَغارُ على النساء حفيظةً
إذ لا يثقن بغيرة الأزواج
إن ابن يوسف فاعلموا وتيقنوا
ماصي البصيرة واضح المنهاج
ماضٍ على الغمرات يمضي همّهم
والليل مختلف الطرق داجي
منع الرشَا وأراكُم سُبُلَ الهدى
واللصّ نكله عن الإدلاج
فاستوسقوا وتبيّنوا سُبُلَ الهدى
ودعوا النجي فليس حين تناجي
يا ربّ ناكثِ بيعتبلنِ تركتهُ
وخضابُ لحيته دم الأوداج
إن العدوّ إذا رمَوْكَ رميتَهُم
بذرى عَمَايَة أو بهضب سواج
وإذا رأيتَ منافقين تخيّروا
سبل الضجاج أقمتَ كلَّ ضجاج
داويتهم وشفيتهم من فتنةٍ
غبراء ذات دواخن وأجاج
إنّي لمُرتَقبٌ لما خوّفتني،
ولفضل سيبكَ يا ابنَ يُوسُفَ راجي
ولقد كسرت سنانَ كل منافقٍ،
ولقد منعتَ حقائب الحجاج
شفت لي فؤادي واشتفى بي غليلها
تُعتبر قصيدة “شفت لي فؤادي واشتفى بي غليلها” من أجمل قصائد الفرزدق:
لعمري لقد أردى نوار وساقها
إلى الغور، أحلام قليل عقولها
معارضة الركبان في شهر ناجر،
كعَلى قَتَبٍ يَعْلُو الفلاة دليله
وما خفتها إن أنكحتني وأشهدت
على نفسها لي أن تبجس غولها
أبعد نوارٍ آمنن ظعينةً
على الغدر ما نادى الحمام هديلها
ألا ليت شعري عن نوارٍ إذا خلت
بجاجتها هل تبصرن سبيلها
أطاعت بني أم النسير، فأصبحت
على شارفٍ ورقاء صعب ذلولها
إذا ارتجَلتْ شقَتْ عليها، وإن تنخْ
يكن مِن غرام الله عنها نزولها
وقد سخِطتْ مني نوار الذي ارتضت
به قبلها الأزواج، خاب رحيلها
ومنسبة الأجداد غير لئيمة،
شفَت لي فؤادي واشتفى بي غليلها
فلا زال يسقي ما مُفَدّاةٌ نحوَهُ،
أهاضيب، مُسْتَنٌّ الصبَا ومسيلها
فما فارقتنا رغبةً عن جيمعنا،
ولكنما غالت مُفَدّاة غولها
تُذكّرني أرواحَها نفحةُ الصبَا،
وريحُ الخزامة طَلُّها وبليلها
فإنّ امرءاً يسعى يُخبّب زوجتي،
كَساعٍ إلى أُسْدِ الثّرَى يستبيلها
ومِن دون أبوال الأسود بَسالةٌ،
وصلَتُ أيْدٍ تمنع الضيم طولُها
فإني، كما قالت نوار، إن اجتلت
على رجلٍ، ما سد كفّي، خليلُها
وأن لم تكن لي في الذي قلت مرّةً
فدُلّيتُ في غبراء ينهال جولُها
فما أنا بالنائي فتُنفَى قرابتي،
ولا باطلٌ حقي الذي أُقيلُها
ولكنني المولى الذي ليس دونه
وليّ، ومولى عقدةٍ من يُجِيلُها
فدونكَها يا ابن الزبير، فإنها
مولعةٌ يوهي الحجارة قيلاً
إذا قعدت عند الإمام، كأنما
ترى رفقةً من ساعةٍ تستحيلها
وما خاصم الأقوامَ من ذي خُصومةٍ
كاورهاء، مشنؤٌ إليك حليلها
فإن أبا بكرٍ إمامك عالمٌ
بتأويل ما وصّى العباد رسولُها
وظلماءَ من جَرَّاء نَوَارٍ سَرَيْتُها،
واهَاجِرَةٍ دوّيّةٍ ما أُقيلُها
جعلنا علينا دونها من ثِيَابِنا
تظاليلَ حتى زال عنها أصيلُها
ترَى من تلظّيها الظباءَ كأنها
مُوقّفةٌ تغشى القرون وعُولُها
نَصَبْتُ لها وجهي وحرفاً كأنها
أتَانُ فَلاةٍ خفّ عَنْها ثَمِيلُها
إذا عَسَفَتْ أنفاسُها في تنوفةٍ،
تقطع دون المحصنات سحيلُها
تُرى مثل أنضاءِ السيوف من السُّرَى،
جراشعة الأجوَازِ ينجو رَعيلُها