أحبك وأتوقيعك
يقول نزار قباني:
هل لديك أدنى شك أنك أجمل امرأة في العالم، والأكثر أهمية فيه؟ هل تعلم أنني عندما وجدتك، حصلت على مفاتيح الكون؟ هل تشك أن لمسة يدك قد غيرت من مجريات الحياة؟ هل من المحتمل أنك كنت أعظم حدث في تاريخي وأجمل خبر سمعت به؟ هل لديك شك في هويتك، يا من تملكين عيني، وتحتلين كل ذرة من الوقت، يا امرأة تسحق الأصوات كلما مررت بجواري؟
لا أدري ما يحدث، كأنك أنثاي الأولى، وكأنني لم أحب سواك في حياتي. أنتِ ميلادي، ولا أستطيع أن أذكر عيشتي قبل حنانك. كأنك، ملكتي، كالعصفور الذي خرج من أحشائك. هل لديك أدنى شك أنك جزء من ذاتي؟ من عينيك، سرقت النار وبدأت ثورتي العظيمة. يا زهرة ويقوت وريحانة، وسلطة بديعة وسط كل الملكات، يا سمكة تسبح في ماء حياتي، يا قمر ينير كل ليلة من نافذة الكلمات، يا أعظم انتصار حققته.
أنت آخر وطن أنتمي إليه، حيث أدفن إبداعي. يا امرأة الدهشة، لا أعلم كيف ألقت بي أمواج الحياة إلى قدميك، ولا كيف مشيت إليك، كي تزرعي الطيور على نهديك. كم كان حظي سعيدًا حين وجدتك، امرأة تحتضن شعري، دافئة كالرمل، رائعة كليلة القدر. منذ اللحظة التي طرقت فيها بابي، بدأت حياتي. كم أصبح شعر الشارع جميلاً بين يديك! منذ كنت غنيًا وقويًا لأني حصلت على نعمة الله. هل لديك شك أن كلماتك تتدفق من شفتي؟ هل لديك شك أنني أعيش فيك وأنت تعيشين في؟
أنت نار تجتاحني، وثمرة ملأت أغصاني، وجسد يقطع كالسيف، ويتفجر كالبراكين. أنت نهدي يعطّر مثل حقول التبغ، وأركض نحوك كالحصان. قولي لي كيف أخرج نفسي من أمواج هذا الطوفان، قولي لي ماذا أفعل، فأنا في حالة من الهذيان. أنت ذات الأنف اليوناني، والشعر الإسباني، يا امرأة لا تتكرر. ترقصين حافية القدمين في شراييني. من أين جئت وكيف دخلت في أعماق روحي؟ أنت إحدى نعم الله العظيمة، وغيمة حب وحنان، وغالية كأغلى لؤلؤة في يدي.
عيناك
يقول إيليا أبو ماضي:
عيناك والسحر الذي يكمن فيهما،
قد جعلاني شاعرًا ساحرًا.
لقد علمتني الحب وعلمته،
كالقمر والغصن والطائر.
إن غبت عن عيني، وعندما يسقط الليل،
سأسأل القمر المتلألئ عنك.
وأطرق إلى الروضة عند الفجر،
لأحدث البلبل الشاعر.
وأشتم الوردة في خباياها،
لأنها تحمل العطر الذي يذكّر العاشق.
هل تتذكرين العاشق الذي تبصره،
كم كان نائمًا في وكر الأمان؟
استفقدته من وكره في الصباح الباكر،
وأصبح مثلي تائهًا حائرًا.
عندما رآني في البرية حائرًا،
بدأ يشكو لي وأنا أشكو له.
بطش الحب والهجر، وألم الفراق.
أو كوكب تلقيت زفرتي.
ومضى ليلا مثلي ساهراً.
زجرت النوم عن جفني،
ولم أبالي باللوم عليه.
يا ليتني مثل المحارب،
كيما يقول المثل الشهير.
النصيف
ويقول النابغة الذبياني:
سقط النصيف، ولم ترديه.
فتناولته ودرأت عنا بيدك.
كمخضب رخيص، كأن بنانه
عقد على أغصانه لم يعقد.
نظرت إليك بحاجة لم تُقضى،
نظرة المريض إلى أعواد العود.
قامت تراءى بين سجيتي كلة،
ليست كالشمس عند طلوعها.
أو درة صدفيّة، غواصها
بيبهر متى رآها، يهلل ويسجد.
أو دمية من مرمر، مرفوعة
من لؤلؤ متتابع، متسرد.
لو أنها عرضت لأشمط راهب
عبد الإله صرورة متعبد.
لرنا لبهجتها وحسن حديثها،
ولخاله رُشداً وإن لم يرشد.
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر
ومن قصائد الأخطل في الغزل:
ألا يا اسلمي يا هندُ هندَ بني بدر،
وإن كان حيّانا علم آخر الزمن.
وإن كنتِ قد رميتني بسهمك،
والرمي يصيب والفهم لا يدري.
أسيلة مجرى الدمع، أما وشاحها،
فجار، وأما الحجل منها فما يجري.
تموت وتحيا مع الضجيع وتلتوي،
بمطرد المتمين المنتبر الخصر.
وكُنتُم، إذا تنأون منا، تعرضت،
خيالاتكم أو بتنا على ذكر.
لقد حملتْ قيس بن عيلان حربنا
على يابس السيساء محدوب الظهر.
وقد سرّني مِن قيس عيلان، أنّني
رأيتُ بني العجلان سادوا بني بدر.
وقد غبر العجلان حينًا إذا بكى،
على الزاد، ألقته الوليدة في الكسر.
فيصبح كالخفاش يدلك عينه،
فقُبّحَ من وجه لئيم، ومَنْ حجر.
وكُنتُمْ بَني العَجْلان، ألأُمم عندنا،
وأحْقر من أن تشهدوا عالي الأمر.
أنا كل دسماء الثياب كأنما
طلاها بنو العجلان من حما فعل القدر.
ترى كعبها قد زال من طول رعيتها،
وقاح الذنابى بالسويّة والزفر.
وإن نزل الأقوام منزلاً عفيفاً،
نزَلتم، بني العجلان. منزلّة الخسر.
وشاركت العجلان كعباً، ولم تكن،
تشارك كعباً في وفاء ولا غدر.
ونجى ابن بدرٍ ركضه من رماحنا،
ونضاحة الأعطاف ملهبة في الحضر.
إذا قلت نالته العوالي، تقاذفت،
به سحق الرجلين صائبة الصدر.
كأنهما والآل ينقضّان عليه،
إذا انغمسا فيه يعيشان في غمر.
يُسرّ إليّ بينما الرماح تنوشه،
فدا لكِ أمّي إن دأبتِ إلى العصر.
فطال يُفديها وطالت كأنها
عقابٌ دعاها جنح ليلٍ إلى وكر.
كأن بطبييني ومجرى حزامها
أداوي تسح الماء من حورٍ وفر.
ركوب على السواءات قد نشمت آسته،
مزاحمة الأعداء والنخس في الدبر.
فطاروا شقاقاً لاثنتين، فعامرٌ
تبيع بنيها بالخِصاف وبالتمر.
وأما سليم، فاستعاذت حذارنا،
بحرّت هي السّوداء والجبل الوعر.
تنق بلا شيء شيوخ محارب،
وما خلتُها كانت تريش ولا تبري.
ضفادع في ظلام ليل تجاوبت،
فدل على بعضها صوتها حية البحر.
ونحن رفعنا عن سلول رماحنا،
وعمداً رغبنا عن دماء بني نصر.
ولو ببني ذبيان بلت رماحنا،
لقرت عيني وباءت بهم وطرِي.
شفى النفسَ قتلى من سليم وعامر،
ولم تشفها قتلى عني ولا جسر.
ولا جشم شر القبائل إنها،
كبيض القطا ليسوا بسودٍ ولا حُمر.
وما تركت أسيافنا حين جُردت،
لأعدائنا قيس بن عيلان من عُذر.
وقد عركت بابني دخان فأصبحا،
إذا ما احزاَّلا مِثل باقيّة البطر.
وأدرك علمي في سُوء أنّها
تقيم على الأوتار والمشرب الكدر.
وظل يجوش الماء من متقصدٍ
على كل حالٍ من مذاهبه يجري.
فأقسم لو أدركنه لقذفنه،
إلى صعبة الأرجاء مظلمة القعر.
ووسد فيها كفّه أو لحجّلَتْ
ضباع الصحاري حوله غير ذي قبر.
لعَمري لقد لاقت سليمٌ وعامِرٌ
على جانب الثرثاء، راغية البكر.
أعني أمير المؤمنين بنائلٍ
وحسن عطاء ليس بالريث النزر.
وأنت أمير المؤمنين وما بنا
إلى صلح قيس يا بن مروان من فقر.
فإن تكُ قيسٌ يا بن مروان بايعت،
فقد وهلت قيسٌ إليك من العذر.
على غير إسلام ولا عن بصيرة،
ولكنهم سيقوا إليك على صغر.
ولما تبينّا ضلالة مصعبٍ،
فتحنا لأهل الشام بابًا من النصر.
فقد أصبحَت منا هوازن كلّها،
كواهي السلامى زيد وقراً على وقر.
سمونا بعيرنين أشم وعاردٍ،
لمنع ما بين العراق إلى البشر.
فأصبح ما بين العراق ومنبج،
لتغلب تردى بالرّدنينيّة السمر.
إليك أمير المؤمنين نسيرها،
تخبّ المطايا بالعرانين من بكر.
برأس امرئ دلى سليماً وعامراً،
وأورد قيسًا لُجّ ذو حدب غمر.
فأسرين خماسين ثم أصبحن غدوة،
يخبرن أخباراً ألذ من الخمر.
تخلّى ابن صفار فلا تذكر العلى،
ولا تذكرن حيّاب قومك في الذكر.
فقد نهضت للتغلبين حيّةٌ،
كحيّة موسى يوم أيد بالنصر.
يخبرنا أن الأراقم فلّقوا،
جماجم قيسٍ بين رذان فالحضر.
جماجم قوم لم يعافوا ظلمًا،
ولم يعلموا أين الوفاء من الغدر.
حبك المشبوب ليلى
قال إسماعيل سري الدهشان:
حبكِ المشبوبُ ليلى،
كلما يخبو يعود.
كيف يخبو وهو في قلبي،
وأضلاعي وقود.
وقده من غير نار،
كلما اشتد يجود.
كلما أشكوه يحلو،
كلما أنو يسود.
لم ينل مني عذول،
لم يقل في حسود.
فيه برد وسلام،
فيه إسلام وجود.
فيه كأس من رحيق،
من عنقود الورود.
كل حب فيه للشيطان
نسعى وجهود.
لكن الشيطان من حبيك،
محزون حقود.
فيك يحلو لي سُهادي،
ووفائي بالعهود.
أنت دنياي وديني،
أنت عمري والخلود.
تتراءين لي الليل،
وسمارى رقود.
تتجلين إذا قمت أصلي،
في السجود.
فكرة تومض معنى،
لم تحدده الحدود.
عجز العقل لديها،
وتولاه الجمود.
فمتى يا وجه ليلى،
أتملى بالشهود؟
شبت لعين غزل مياط
رؤبة بن العجاج:
شبت لعين غزل مياط،
سعدية حلت بذى أراط.
برّاقة كالبَرق ذي الكشاط،
كأن بين العقد والإقراط.
سالفة من جيد ريم عاط،
بعد المنام طيب السُعاط.
كأن فوق الخز والألوان،
أبيض منها لا من الرّواطي.
فأيها الشاحط بالغطاط،
لما تصدى لي ذوو الرياط،
قلت وجدّ الورد بالفراط.
لا بد من جبيهة الخلط،
إني لورادٌ على الضنّاط.
ما كان يرجو مائح السقاط،
جذبي دلاء المجد واندفاعي.
مثلين في كريين من مقاط،
من بقر أو أدم أطاط.
إذا تلاقى الوهط بالأوهام،
أورى بثرثارين في الغيطاط.
إفراج نجاحين في الأغاوط،
وميط غربى أنكر الأمياط.
عليّ أنمارٌ من اعتباطي،
كالحية المجتابة بالأراقاط.
يكفيك أثري القول وانتباطي،
عوارم لم ترم بالإسقاط.
فيهن وسم لازم الألابقاط،
سفّع وتخطيط من العلاط.
لقد كفى تخمّط الخِماط،
والبغي من تعيّط العيّاط.
حلمي وذبّ الناس عن إسخاطي،
مضغى رؤوس البزل واستطاعتي.
في شدقم أشداخ خبطاط،
عند العضاض مقصّل هماط.
وقد أداوي نحطة النحاط،
فصّداً وأسقى السّم ذا الحماط.
فيه الكدى وحقوة الأوقاط،
أرمي إذا انشقت عصا الوطواط.
برجم أحيا مقذّف الملاط،
إني امرؤ بمضر اعتباطي.
عراعر الأقوام واختباطي،
لنا الحصى وأوسع البساط.
والحسب المثري من البلاط،
والمُلك في عادية القِعاط.
دانَتْ له والسخط للسخاط،
نزارها ويامن الأقحاط.
فأيها الجاذي على القاط،
من ذي أنى أو جاهل نفط.
نحن جمعنا الناس بالمِلْطاط،
فأصبحوا في ورطة الأوطاط.
بمحبس الخنزير والبطاط،
أذلَّ أعناقاً من الغطاط.
من حارث أو ناعق قواط،
قد مات قبل الغسل والإحناط.
غيظاً وألقيناه في الأقمط،
لنا سراجاً كل ليل غاط.
وراجسات النجم والأشراط،
وإن عرَاك اليوم ذي الضغاط.
معك عزاً دامياً الحطاط.