مصر
تعدّ مصر واحدة من أروع الوجهات التاريخية والثقافية، حيث تلتقي العراقة بالأصالة والشهامة. تتميز بمواقعها الأثرية الخلابة مثل الأهرامات وأبو الهول، بالإضافة إلى نيلها الذي يُعتبر علامة بارزة من علامات الجمال. لطالما كانت مصر مصدر إلهام للشعراء والأدباء الذين عبّروا من خلال أعمالهم عن حبهم لهذا البلد. في هذا المقال، سنستعرض أبرز القصائد التي نظمها الشعراء في حب مصر.
إذا سألتِ عن مصرَ حواءَ القرى
ولد الشاعر أحمد شوقي في القاهرة عام 1868م. درس الحقوق، ثم أرسله الخديوي إلى فرنسا لاستكمال دراسته، حيث مكث هناك ثلاث سنوات. عاد إلى مصر في عام 1893م حاملاً شهادته العليا. قدم العديد من المسرحيات، من أبرزها قمبيز، ومصرع كليوباترا، وعلي بك الكبير. وفي قصيدته “إذا سألتِ عن مصرَ” يقول:
إذا سألتِ عن مصرَ حواءَ القرى
وقرارةَ التاريخِ والآثارِ
فالصُّبحُ في منفٍ وثيبةٌ واضحٌ
مَنْ ذا يُلاقي الصُّبحَ بالإنكار؟
بالهَيْلِ مِن مَنْفٍ ومن أَرباضِها
مَجْدُوعُ أَنفٍ في الرّمالِ كُفارِي
خَلَتِ الدُّهُورُ وما التَقَتْ أَجفانُه
وأتتْ عليه كليلةٍ ونهار
ما فَلَّ ساعِدَه الزمانُ، ولم يَنَلْ
منه اختلافُ جَوارِفٍ وذَوار
كالدَّهرِ لو ملكَ القيامَ لفتكةٍ
أَو كان غيرَ مُقَلَّمِ الأَظفار
وثلاثةٍ شبَّ الزمانُ حيالها
شُمٍّ على مَرّ الزَّمانِ، كِبار
قامت على النيلِ العَهِيدِ عَهِيدةً
تكسوه ثوبَ الفخرِ وهيَ عوار
من كلِّ مركوزٍ كرَضْوَى في الثَّرَى
متطاولٍ في الجوَّ كالإعصار
الجنُّ في جنباتها مطروةٌ
ببدائع البنَّاءِ والحفَّار
والأَرضُ أضْيَعُ حِيلةً في نَزْعِها
من حيلةِ المصلوبِ في المسمار
تلكَ القبورُ أضنَّ من غيب بما
أَخفَتْ منَ الأَعلاق والأَذخار
نام الملوك بها الدُّهورَ طويلةً
يجِدون أَروحَ ضَجْعَةٍ وقرار
كلُّ كأهلِ الكهف فوقَ سريره
والدهرُ دونَ سَريرِه بهِجَار
أملاكُ مصرَ القاهرون على الورى
المنزَلون منازلَ الأَقمار
هَتَكَ الزمان حِجابَهم، وأَزالهم
بعدَ الصِّيانِ إزالةَ الأسرار
هيهاتَ! لم يلمسْ جلالهم و البلى
إلا بأَيدٍ في الرَّغام قِصار
كانوا وطرفُ الدهر لا يسمو لهم
ما بالهمْ عرضول على النُّظَّار؟
لو أُمهلوا حتى النُّشُورِ بِدُورِهم
قاموا لخالقهم بعير غبار!
يا له من يومٍ يُفدى فيه مصر
قصيدة “يا له من يومٍ يُفدى فيه مصر” للشاعر إبراهيم ناجي، الذي وُلد في مصر وتخرج من كلية الطب عام 1923م. عمل بالشعر والطب، وصدرت له مجلة “حكيم البيت”. ومن دواوينه المعروفة: “مدينة الأحلام”، و”ليالي القاهرة”، و”وراء الغمام”. تُوفي إبراهيم ناجي في مصر، وكتب في هذه القصيدة:
يا له من يومٍ يُفدى فيه مصر
فمصر هي المحراب والجنة الكبرى
حلفنا نولي وجهنا شطر حبها
وننفد فيه الصبر والجهد والعمرا
نبث بها روح الحياة قوية
ونقتل فيها الضنك والذل والفقرا
نحطم أغلالاً ونمحو حوائلا
ونخلق فيها الفكر والعمل الحرا
يا له من ماءٍ قد مرَّ طعمه
تناوشه الفتاك لم يدعوا شبرا
فدالت به الدنيا وريعت حمائم
مغردة تستقبل الخير والبشرى
وحامت على الأفق الحزين كواسر
إذا ظفرت لا ترحم الحسن والزهرا
تحط كما حط العقاب من الذرى
وتلتهم الأفنان والزغب والوكرا
فهلا وقفتم دونها تمنحونها
أكفاً كماء المزن تمطرها خيرا
سلاماً شباب النيل في كل موقف
على الدهر يجني المجد أو يجلب الفخرا
تعالوا نشيّد مصنعاً رب مصنع
يدرُّ على صُناعنا المغنم الوفرا
تعالوا نشيّد ملجأ رب ملجأ
يضم حطام البؤس والأوجه الصفرا
تعالوا لنمحوا الجهل والعلل التي
أحاطت بنا كالسيل تغمرنا غمرا
تعالوا فقد حانت أمور عظيمة
فلا كان منا غافل يصم العصرا
تعالوا نقل للصعب أهلا فإننا
شبابٌ ألفنا الصعب والمطلب الوعرا
شباب إذا نامت عيون فإننا
بكرنا بكور الطير نستقبل الفجرا
شباب نزلنا حومة المجد كلنا
ومن يغتدي للنصر ينتزع النصرا
قصيدة مصر
قصيدة “مصر” هي للشاعر محمد نجيب المراد، الذي وُلد عام 1957م في سورية. حصل على شهادته الجامعية في الطب والجراحة من جامعة الإسكندرية عام 1981م، ثم حصل على درجة الاختصاص العليا في جراحة الأذن والأنف والحنجرة في فرنسا عام 1989م. ومن خلال قصيدته عن مصر يقول:
هِبةُ اللهِ من قديمِ الزمانِ
إنها مصرُ فانطلقْ يا لساني
وتجاوزْ حدودَ شِعرٍ ووزنٍ
رُبَّ حُبٍّ أقوى من الأوزانِ
ها هو النيلُ وامقٌ يَتَلَوَّى
وهْو يبكي محبةَ الوديانِ
فكأَنَّ المياهَ دمعُ عشيقٍ
تتهادى حَرَّى على الأجفانِ
وكأَنَّ الأشجارَ تلهو بصبٍّ
ذابَ فيها، كما تَلَهَّى الغواني
بل كأَنَّ الورودَ وجناتُ بِكْرٍ
مسَّها النيلُ رقةً ببنانٍ
بل كأنَّ النخيلَ جِيدُ عروسٍ
وعليه التمورُ عِقْدُ جُمانِ
النسيمُ العليلُ يُصدِرُ همساً
يُشبِهُ الغُنجَ في دلالِ الحِسانِ
والطيورُ البيضاءُ جَوْقةُ عزفٍ
يفتحُ العودُ صدرَهُ للكمانِ
والضُحى شمسهُ ترتِلُ نوراً
فوق هامِ الحقولِ والغيطانِ
رُبَّ ماءٍ يميسُ بين رياضٍ
أسكرَ القلبَ مثلَ بنتِ الدنانِ
عدَّدَ الحسنُ في الجَمَالِ جِناناً
فإذا النيلُ ثامنٌ في الجِنانِ
يا شِراعاً بصفحةِ النيلِ يجري
وبه الليلُ والهوى جالسانِ
ورقيبٌ بين الغيومِ مُطِلٌّ
يتغاضى!!! فتضحكُ الشفتانِ
ويدورُ الحديثُ دونَ كلامٍ
لخَّصتْ ألفَ خُطبةٍ نظرتانِ
أنا يا مِصرُ عاشقٌ لكِ حتى
لم يعدْ لي من البكا دمعتانِ
نُوَبُ الحُبِّ جرَّحتني كثيراً
وكثيرٌ صبري على الحدثانِ
قد تقلَّبتُ بين حلوٍ ومُرِّ
فعيونٌ نُجْلٌ وطعنُ سنانِ
ودخلتُ النزالَ في الحُبِّ لكنْ
ضَاع سيفي مني وضَاع حصاني
لوَّنتْ مصرُ بالشبابِ ثيابي
مشَّطتني وطرَّزَتْ قمصاني
ألبَسَتْني مَعاطفاً من عطورٍ
في ذيولي تضوعُ والأردانِ
وسقتني مِنَ الشرابِ المعلَّى
لاحِظوا طُهرَهُ بحرفِ بيانِ
فأنا الشافعيُّ قد جاء مصراً
فإذا الفقهُ في جديدِ معاني
قبلها لم يكنْ هنالكَ شِعرٌ
كلُّ ما كانَ قبلها شطرانِ
بعدها دفقةُ النُّبوغِ تجلَّتْ
إن “شوقي” و “حافظاً” باركاني
أيُّها الحاسدان، ما العشق إلاّ
مُغرَمٌ، إنَّما له… حاسدانِ
لا يَعيبُ الورودَ إن قيلَ فيها
إن خدَّ الورودِ أحمرُ قانِ
قد طَوَتْ مصرُ سِفْرَ كلِّ الليالي
فهي للدهرِ كُلِّهِ دَفَّتانِ
ولها بصمةٌ بكلِّ فؤادٍ
وبقلبي أنا لها بصمتانِ
مصرُ، يا مصرُ والتواريخُ كلَّتْ
في لحاقٍ وأنتِ في جريانِ
“فعزيزٌ” و “يوسُفٌ” و “زليخا”
وادخلوا “مصرَنا” بكلِّ أمانِ
وتجلِّي الإله في الطُّورِ يكفي
لكِ عزاً يا مصرُ في الأكوانِ
والتراتيلُ في مديحكِ تَتْرى
في سطورِ الإنجيلِ والقرآنِ
مِنْ ثرى مصرَ جدتان لِعُرْبٍ
وأصيلٌ إذا التقتْ جَدَّتانِ
رحِمُ الدمِّ والعقيدةِ مصرٌ
سِرُّها خالدٌ، هو “الرحِمَانِ”
فاسألوا الفقهَ والحديثَ ونحواً
كيفَ كانتْ لهم كصدرٍ حانِ
واسألوا “الضَّادَ” من حَمَاها تُجِبْكمْ
إنّهُ الأزهرُ الشريفُ حَمَاني
وأذكروا لي رأساً لعِلْمٍ وفَنٍّ
لم تكنْ فوقَهُ لمصرَ يدانِ
إسألوا الرملَ من سقاهُ يُجِبْكم:
جيشُ مصرٍ بدمِّهِ قد سقاني
وانظروا العينَ “عينَ جالوت” تروي
بعد “قُطزٍ”، حديثُها أُرْجواني
وستحكي حطينُ: جيشُ صلاحٍ
هو في القلبِ والجناحِ “كِناني”
ليس نصرٌ من غير مصرٍ لَعَمري
هل رأيتمُ خيلاً بلا فرسانِ
ليس للشرقِ نهضةٌ دونَ مصرٍ
كيفَ يَعلو بيتٌ بلا أركانِ
خاطَتِ الشمسُ للكنانةِ فستانَ
زفافٍ… يا روعةَ الفستانِ
ثم رشَّتْ عليه بعضَ نجومٍ
أَشعلَ الكونَ نورُها الربَّاني
عندما تَغزِلُ الشموسُ خيوطاً
لحبيبٍ … فالمجدُ في الخيطانِ
يا عروسَ الزمانِ يلقي عليها
وهي في العرشِ تاجَهُ النوراني
ثم يحني وقارَهُ في خشوعٍ
لاثماً كفَّها بكلِّ حنانِ
فإذا قُبلةُ الزمانِ شِفاهٌ
وإذا “الثغرُ” في لَمى أسوانِ
“ثغرُها” أدهشَ البحارَ فجاءتْهُ
وأغفَتْ ترتاحُ في الشطآنِ
أسَندَ البحرُ رأسَه وتمنَّى
أَمنياتُ البحارِ، أَحلى الأَمانِي
واتَّكَتْ كفُّهُ على صَدَفات
فَهَمَى لؤلؤٌ بكلِّ مكانِ
حلمَ البحرُ ذاتَ ليلٍ فلمَّا
أصبحَ الصبحُ .. كانَ محضَ عيانِ
فعلى “اسكندريةَ” البحرُ أَرسَى
فإذا الشِّعرُ بيتُهُ اْسكندراني
مصرُ… يا مصرُ إذْ ذكرتُكِ ضَجَّتْ
في قصيدي مباهجٌ وأغاني
فحقولٌ من البنفسجِ شِعري
وقوافيَّ شهقةُ الريحانِ
وحروفي براعمُ اللوزِ لكنْ
نقطةُ الحرفِ حبةُ الرُمَّانِ
رغمَ هذا ومصرُ أعلى وأغلى
فاعذروني ما كان في إمكاني
ريشتي حاولت، وقولي، ولكنْ
أعجزت مصرُ ريشتي ولساني