قصيدة بدر شاكر السياب “لأني غريب”
تعبّر هذه القصيدة عن الشوق العميق الذي يشعر به بدر شاكر السياب تجاه وطنه العراق:
لأنّي غريب،
إنّ العراق الحبيب بعيد،
وأنا هنا في شوقٍ
إليه، في خُلُوتِي أنادي: عراق،
فيرجع لي من ندائي نحيبٌ،
يتفجر عنه الصدى.
أحسّ أني عبرت المدَى
إلى عالمٍ من ردى، لا يجيبندائي.
وإن هززت الغصون،
فما يتساقط غير الردى:
حجارة، حجارة، وما من ثمار،
وحتى العيون حجارة،
وحتى الهواء الرطيب حجارة،
يناديني بعض الدمع.
حجارة ندائي وصخر فمي،
تجوب الريح القفار.
قصيدة بدر شاكر السياب “لن نفترق”
في القصيدة التالية، يتحدث السياب عن العتاب والمشاعر المعقدة:
هبت تغمغم: سوف نفترق،
روح على شفتيك تحترق.
صوت كأن ضرام صاعقة،
ينداح فيه، وقلبي الأفق.
ضاق الفضاء وغام في بصري
ضوء النجوم وحطم الألق.
فعلى جفوني الشاحبات وفي
دمعي شظايا منه أو مزق.
فيم الفراق؟ أليس يجمعنا
حب نعتنق عليه؟
حب ترقرق فيه الوعود سنا
منه ورف على الخطى عبق.
أختاه، صمتك ملؤه الريبة؟
فيم الفراق؟ ألا له سبب؟
الحزن في عينيك مرتجف
واليأس في شفتيك يضطرب.
ويداك باردتان، مثل غدي،
وعلى جبينك خاطر شجب.
ما زال سرك لا تجنحه
آه مؤججة، ولا يثب.
حتى ضجرت به وأسأمه
طول الثواء وآده التعب.
إني أخاف عليك واختلجت
شفة إلى القبلات تلتهب.
ثم انثنيت مهيضة الجلد
تتنهدين وتعصرين يدي.
وترددين وأنت ذاهلة:
إني أخاف عليك حزن غد.
فتكاد تتناثر النجوم أسى
في جوهن كذائب البرد.
لا تتركي، لا تتركي لغدي
تعكير يومي ما يكون غدي.
وإذا ابتسمت اليوم من فرح
فلتعبسين ملامح الأبد.
ما كان عمري قبل موعدنا
إلا السنين تدب في جسد.
أختاه، لذّ على الهوى ألمي
فاستمتعي بهواك وابتسمي.
هاتي اللهيب فلست أرهبه:
ما كان حبك أول الحمم.
ما زلت محترقاً تلقفني
نار من الأوهام كالظلم.
سوداء لا نور يضيء بها
كرقاد حمى دونما حلم.
هاتي لهيبك إن فيه سناً
يهدي خطاي ولو إلى العدم.
هي ومضة ألقى الوجود بها
جذلان يرقص عاري القدم.
قصيدة بدر شاكر السياب “هل كان حبّاً”
تتناول هذه القصيدة موضوع الحب بأسلوب خاص:
هل تُسمّينَ الذي ألقى هياما؟
أم جنوناً بالأماني؟ أم غراما؟
ما يكون الحبُّ؟ نَوْحاً وابتساما؟
أم خُفوقَ الأضلعِ الحَرّى، إذا حانَ التلاقي
بين عينينا، فأطرقتُ، فراراً باشتياقي.
عن سماءٍ ليس تسقيني، إذا ما؟
جئتُها مستسقياً، إلاّ أواما.
العيون الحور، لو أصبحنَ ظلاً في شرابي
جفّتِ الأقداحُ في أيدي صحابي
دون أن يَحْضَينَ حتى بالحباب.
هيئي، يا كأسُ، من حافاتك السكرى، مكانا
تتلاقى فيه، يوماً، شفتانا
في خفوقٍ والتهابِ
وابتعادٍ شاعَ في آفاقهِ ظلُّ اقترابِ.
كم تَمَنَّى قلبيَ المكلومُ لو لم تستجيبي
من بعيدٍ للهوى، أو من قريبِ.
آهِ لو لم تعرفي، قبل التلاقي، من حبيبِ!
أيُّ ثغرٍ مَسَّ هاتيك الشفاها
ساكباً شكواه آهاً… ثم آها؟
غير أنّي جاهلٌ معنى سؤالي عن هواها؛
أهو شيءٌ من هواها… يا هواها؟
أَحْسدُ الضوءَ الطروبا
مُوشكاً، مما يلاقي، أن يذوبا
في رباطٍ أوسع الشَّعرَ التثاما،
السماء البكرُ من ألوانه آناً، وآنا.
لا يُنيلُ الطرفَ إلاّ أرجوانا.
ليتَ قلبي لمحةٌ من ذلك الضوء السجين؛
أهو حبٌّ كلُّ هذا؟! خبّريني.
مطلع قصيدة غريب على الخليج
تصف هذه الأبيات مشاعر الغريب في الخليج:
الريح تلهث بالهجيرة كالجثام، على الأصيل،
وعلى القلوع تظل تطوى أو تنشر للرحيل.
زحم الخليج بهم مكتدحون، جوّابو بحار،
من كل حاف نصف عارٍ.
وعلى الرمال، على الخليج،
جلس الغريب، يسرّح البصر المحيّر في الخليج
ويهد أعمدة الضياء، بما يصعّد من نشيج.
أعلى من العبّاب يهدر رغوه، ومن الضجيج:
“صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى: عراق.”
كالمدّ يصعد، كالسحابة، كالدموع إلى العيون
الريح تصرخ بي: عراق.